يُخْبِرَهُمْ خَبَرًا مُؤَكَّدًا بِأَنَّ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ كُلَّهُمْ مَجْمُوعُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ بَعْدَ بَعْثِهِمْ.
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ بَعْثِ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ وَجَمْعِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ - جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ [64 \ 9] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ [4 \ 87] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ الْآيَةَ [3 \ 9] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ [11 \ 103] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: هَذَا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْنَاكُمْ وَالْأَوَّلِينَ [77 \ 38] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا [18 \ 47] .
وَقَدْ قَدَّمْنَا هَذَا مُوَضَّحًا فِي سُورَةِ الْحِجْرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ [15 \ 17] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: ثُمَّ إِنَّكُمْ أَيُّهَا الضَّالُّونَ الْمُكَذِّبُونَ لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ فَمَالِئُونَ مِنْهَا الْبُطُونَ فَشَارِبُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَمِيمِ فَشَارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ.
قَدْ قَدَّمْنَا إِيضَاحَ هَذَا وَتَفْسِيرَهُ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ إِنَّ لَهُمْ عَلَيْهَا لَشَوْبًا مِنْ حَمِيمٍ [37 \ 67] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: هَذَا نُزُلُهُمْ يَوْمَ الدِّينِ.
النُّزُلُ بِضَمَّتَيْنِ: هُوَ رِزْقُ الضَّيْفِ الَّذِي يُقَدَّمُ لَهُ عِنْدَ نُزُولِهِ إِكْرَامًا لَهُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلًا [18 \ 107] ، وَرُبَّمَا اسْتَعْمَلَتِ الْعَرَبُ النُّزُولَ فِي ضِدِّ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالِاحْتِقَارِ، وَجَاءَ الْقُرْآنُ بِاسْتِعْمَالِ النُّزُولِ فِيمَا يُقَدَّمُ لِأَهْلِ النَّارِ مِنَ الْعَذَابِ كَقَوْلِهِ هُنَا فِي عَذَابِهِمُ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِمْ: لَآكِلُونَ مِنْ شَجَرٍ مِنْ زَقُّومٍ إِلَى قَوْلِهِ: شُرْبَ الْهِيمِ هَذَا نُزُلُهُمْ [56 \ 52 - 56] ، أَيْ هَذَا الْعَذَابُ الْمَذْكُورُ هُوَ ضِيَافَتُهُمْ وَرِزْقُهُمُ الْمُقَدَّمُ لَهُمْ عِنْدَ نُزُولِهِمْ فِي دَارِهِمُ الَّتِي هِيَ النَّارُ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى لِلْكَافِرِ الْحَقِيرِ الذَّلِيلِ: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [44 \ 49] .
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ إِطْلَاقِ النُّزُولِ عَلَى عَذَابِ أَهْلِ النَّارِ، جَاءَ مُوَضَّحًا