بِأَفْعَالِهِمْ مِنْهُمْ أَنْفُسِهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى: أَحْصَاهُ اللَّهُ وَنَسُوهُ [58 \ 6] .
وَعَلَيْهِ فَالْمَعْنَى: لَا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ سُؤَالَ اسْتِخْبَارٍ وَاسْتِعْلَامٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَعْلَمُ بِذَنْبِهِ مِنْهُ.
وَالسُّؤَالُ الْمُثْبَتُ فِي الْآيَاتِ الْأُخْرَى هُوَ سُؤَالُ التَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ، سَوَاءٌ كَانَ عَنْ ذَنْبٍ أَوْ غَيْرِ ذَنْبٍ. وَمِثَالُ سُؤَالِهِمْ عَنِ الذُّنُوبِ سُؤَالَ تَوْبِيخٍ وَتَقْرِيعٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ [3 \ 106] ، وَمِثَالُهُ عَنْ غَيْرِ ذَنْبٍ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنَاصَرُونَ بَلْ هُمُ الْيَوْمَ مُسْتَسْلِمُونَ [37 \ 24 - 26] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا هَذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ أَفَسِحْرٌ هَذَا [52 \ 13 - 15] ، وَقَوْلُهُ: أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ [6 \ 130] .
أَمَّا سُؤَالُ الْمَوْءُودَةِ فِي قَوْلِهِ: وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ [81 \ 8] ، فَلَا يُعَارِضُ الْآيَاتِ النَّافِيَةَ السُّؤَالَ عَنِ الذَّنْبِ، لِأَنَّهَا سُئِلَتْ عَنْ أَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ وَهَذَا لَيْسَ مِنْ ذَنْبِهَا، وَالْمُرَادُ بِسُؤَالِهَا تَوْبِيخُ قَاتِلِهَا وَتَقْرِيعُهُ، لِأَنَّهَا هِيَ تَقُولُ لَا ذَنْبَ لِي فَيَرْجِعُ اللَّوْمُ عَلَى مَنْ قَتَلَهَا ظُلْمًا.
وَكَذَلِكَ سُؤَالُ الرُّسُلِ، فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَوْبِيخُ مَنْ كَذَّبَهُمْ وَتَقْرِيعُهُ، مَعَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيْهِ بِأَنَّ الرُّسُلَ قَدْ بَلَّغَتْهُ، وَبَاقِي أَوْجُهِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْآيَاتِ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قُرْآنٌ، وَمَوْضُوعُ هَذَا الْكِتَابِ بَيَانُ الْقُرْآنِ بِالْقُرْآنِ، وَقَدْ بَيَّنَّا بَقِيَّتَهَا فِي كِتَابِنَا «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْأَعْرَافِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا طَرَفًا مِنْ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ [7 \ 6] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ.
قَوْلُهُ: بِسِيمَاهُمْ: أَيْ بِعَلَامَتِهِمُ الْمُمَيِّزَةِ لَهُمْ، وَقَدْ دَلَّ الْقُرْآنُ عَلَى أَنَّهَا هِيَ سَوَادُ وُجُوهِهِمْ وَزُرْقَةُ عُيُونِهِمْ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ الْآيَةَ [3 \ 106] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ [39 \ 70]