26

وَقَوْلُهُ: لَا يُصَدَّعُونَ أَيْ لَا يُصِيبُهُمُ الصُّدَاعُ الَّذِي هُوَ وَجَعُ الرَّأْسِ بِسَبَبِهَا.

وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَاتِ فِي صِفَةِ خَمْرِ الْآخِرَةِ، وَبَيَّنَّا أَنَّهَا مُخَالِفَةٌ فِي جَمِيعِ الصِّفَاتِ لِخَمْرِ الدُّنْيَا، وَذَكَرْنَا الشَّوَاهِدَ الْعَرَبِيَّةَ فِي ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ الْآيَةَ [5 \ 90] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ «غِلْمَانٌ» جَمْعُ غُلَامٍ، أَيْ خَدَمٌ لَهُمْ، وَقَدْ قَدَّمْنَا إِطْلَاقَاتِ الْغُلَامِ وَشَوَاهِدَهَا الْعَرَبِيَّةَ فِي سُورَةِ الْحِجْرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ [15 \ 53] .

وَلَمْ يُبَيِّنْ هُنَا مَا يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ، وَذَكَرَ هُنَا حُسْنَهُمْ بِقَوْلِهِ: كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ فِي أَصْدَافِهِ، لِأَنَّ ذَلِكَ أَبْلَغُ فِي صَفَائِهِ وَحُسْنِهِ، وَقِيلَ: «مَكْنُونٌ» أَيْ مَخْزُونٍ لِنَفَاسَتِهِ، لِأَنَّ النَّفِيسَ هُوَ الَّذِي يُخْزَنُ وَيُكَنُّ.

وَبَيَّنَ تَعَالَى فِي الْوَاقِعَةِ بَعْضَ مَا يَطُوفُونَ عَلَيْهِمْ بِهِ فِي قَوْلِهِ: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ بِأَكْوَابٍ وَأَبَارِيقَ وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ [56 \ 17 - 18] ، وَزَادَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ كَوْنَهُمْ مُخَلَّدِينَ، وَذَكَرَ بَعْضَ مَا يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِهِ فِي قَوْلِهِ: يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ [76 \ 15 - 16] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا [76 \ 15 - 16] .

وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْفَاعِلَ الْمَحْذُوفَ فِي قَوْلِهِ: وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ فِي آيَةِ الزُّخْرُفِ وَالْإِنْسَانِ الْمَذْكُورَتَيْنِ هُوَ الْغِلْمَانُ الْمَذْكُورُونَ فِي الطُّورِ وَالْوَاقِعَةِ، وَذَكَرَ بَعْضَ صِفَاتِ هَؤُلَاءِ الْغِلْمَانِ فِي الْإِنْسَانِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنْثُورًا [76 \ 19] .

قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ.

ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَسْأَلُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، وَأَنَّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015