فَقَوْلُهُ: إِلَّا لِيُطَاعَ أَيْ: فِيمَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِنَا، لِأَنَّهُ مَطْلُوبٌ مُرَادٌ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ شَرْعًا وَدِينًا، وَقَوْلُهُ: بِإِذْنِ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَقَعُ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا أَرَادَهُ اللَّهُ كَوْنًا وَقَدَرًا، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ: وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [10 \ 25] ، وَالنَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
قَوْلُهُ تَعَالَى: مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ [6 \ 14] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذَنُوبًا مِثْلَ ذَنُوبِ أَصْحَابِهِمْ فَلَا يَسْتَعْجِلُونِ.
أَصْلُ الذَّنُوبِ فِي لُغَةِ الْعَرَبِ الدَّلْوُ، وَعَادَةُ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يَقْتَسِمُونَ مَاءَ الْآبَارِ وَالْقَلْبِ بِالدَّلْوِ، فَيَأْخُذُ هَذَا مِنْهُ مِلْءَ دَلْوٍ، وَيَأْخُذُ الْآخَرُ كَذَلِكَ، وَمِنْ هُنَا أَطْلَقُوا اسْمَ الذَّنُوبِ الَّتِي هِيَ الدَّلْوُ عَلَى النَّصِيبِ. قَالَ الرَّاجِزُ فِي اقْتِسَامِهِمُ الْمَاءَ بِالدَّلْوِ:
لَنَا ذَنُوبٌ وَلَكُمْ ذَنُوبُ ... فَإِنْ أَبَيْتُمْ فَلَنَا الْقَلِيبُ
وَيُرْوَى:
إِنَّا إِذَا شَارَبَنَا شَرِيبُ ... لَهُ ذَنُوبٌ وَلَنَا ذَنُوبُ
فَإِنْ أَبَى كَانَ لَنَا الْقَلِيبُ
وَمِنْ إِطْلَاقِ الذَّنُوبِ عَلَى مُطْلَقِ النَّصِيبِ قَوْلُ عَلْقَمَةَ بْنِ عَبْدَةَ التَّمِيمِيِّ، وَقِيلَ عَبِيدٌ:
وَفِي كُلِّ حَيٍّ قَدْ خَبَطْتُ بِنِعْمَةٍ ... فَحَقَّ لِشَأْسٍ مِنْ نِدَاكَ ذَنُوبُ
وَقَوْلُ أَبِي ذُؤَيْبٍ:
لَعَمْرِكَ وَالْمَنَايَا طَارِقَاتٌ ... لِكُلِّ بَنِي أَبٍ مِنْهَا ذَنُوبُ
فَالذَّنُوبُ فِي الْبَيْتَيْنِ النَّصِيبُ، وَمَعْنَى الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَإِنَّ لِلَّذِينِ ظَلَمُوا بِتَكْذِيبِ