فِي أُخْرَيَاتِ طه: فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ آنَاءِ اللَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى [20 \ 130] ، وَأَمْرُهُ لَهُ بِالتَّسْبِيحِ بَعْدَ أَمْرِهِ لَهُ بِالصَّبْرِ عَلَى أَذَى الْكُفَّارِ فِيهِ - دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّسْبِيحَ يُعِينُهُ اللَّهُ بِهِ عَلَى الصَّبْرِ الْمَأْمُورِ بِهِ، وَالصَّلَاةُ دَاخِلَةٌ فِي التَّسْبِيحِ الْمَذْكُورِ كَمَا قَدَّمْنَا إِيضَاحَ ذَلِكَ، وَذَكَرْنَا فِيهِ حَدِيثَ نُعَيْمِ بْنِ هَمَّارٍ فِي آخِرِ الْحِجْرِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ [15 \ 97 - 98] ، وَبَيَّنَّا هُنَالِكَ أَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِالِاسْتِعَانَةِ بِالصَّبْرِ وَبِالصَّلَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ الْآيَةَ [2 \ 45] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ.
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ بِكَثْرَةٍ فِي سُورَةِ «يس» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [36 \ 51] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ.
قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ نَافِعٌ، وَابْنُ كَثِيرٍ، وَابْنُ عَامِرٍ: «تَشَّقَّقُ» بِتَشْدِيدِ الشِّينِ بِإِدْغَامِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ فِيهَا، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِتَخْفِيفِ الشِّينِ لِحَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: سِرَاعًا: جَمْعُ سَرِيعٍ، وَهُوَ حَالٌ مِنَ الضَّمِيرِ الْمَجْرُورِ فِي قَوْلِهِ: عَنْهُمْ أَيْ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ فِي حَالِ كَوْنِهِمْ مُسْرِعِينَ إِلَى الدَّاعِي وَهُوَ الْمَلَكُ الَّذِي يَنْفُخُ فِي الصُّورِ، وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ مِنْ أَنَّ النَّاسَ يَوْمَ الْبَعْثِ يَخْرُجُونَ مِنْ قُبُورِهِمْ مُسْرِعِينَ إِلَى الْمَحْشَرِ قَاصِدِينَ نَحْوَ الدَّاعِي، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ أُخَرَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ سِرَاعًا كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ [70 \ 43] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [36 \ 51] ، وَقَوْلِهِ: يَنْسِلُونَ أَيْ يُسْرِعُونَ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِي الْآيَةَ [54 \ 7 - 8] ، فَقَوْلُهُ: مُهْطِعِينَ: أَيْ مُسْرِعِينَ مَادِّي أَعْنَاقِهِمْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لِهَذَا فِي سُورَةِ «يس» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ: فَإِذَا هُمْ مِنَ الْأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ [36 \ 51] .