الْأَوْقَاتِ، وَلِأَنَّهُ هُوَ الْأَصْلُ، وَلِأَنَّهُ أَكْثَرُ مَشَقَّةً.
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِلَى أَنَّ الْمَسْحَ أَفْضَلُ، وَهُوَ أَصَحُّ الرِّوَايَاتِ عَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ، وَبِهِ قَالَ الشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ، وَحَمَّادٌ.
وَاسْتَدَلَّ أَهْلُ هَذَا الْقَوْلِ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ حَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ: «بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي» .
وَلَفْظُهُ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَسِيتَ؟ قَالَ: «بَلْ أَنْتَ نَسِيتَ ; بِهَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ» .
وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ الْآتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ نَمْسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ» الْحَدِيثَ.
قَالُوا: وَالْأَمْرُ إِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ، فَلَا أَقَلَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِلنَّدْبِ، قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ -: وَأَظْهَرُ مَا قِيلَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عِنْدِي، هُوَ مَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْقَيِّمِ، وَعَزَاهُ لِشَيْخِهِ تَقِيِّ الدِّينِ، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ يَتَكَلَّفُ ضِدَّ حَالِهِ الَّتِي كَانَ عَلَيْهَا قَدَمَاهُ، بَلْ إِنْ كَانَتَا فِي الْخُفِّ مَسَحَ عَلَيْهِمَا، وَلَمْ يَنْزِعْهُمَا، وَإِنْ كَانَتَا مَكْشُوفَتَيْنِ غَسَلَ الْقَدَمَيْنِ، وَلَمْ يَلْبَسِ الْخُفَّ لِيَمْسَحَ عَلَيْهِ، وَهَذَا أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، اهـ.
وَيُشْتَرَطُ فِي الْخُفِّ: أَنْ يَكُونَ قَوِيًّا يُمْكِنُ تَتَابُعُ الْمَشْيِ فِيهِ فِي مَوَاضِعِ النُّزُولِ، وَعِنْدَ الْحَطِّ وَالتَّرْحَالِ، وَفِي الْحَوَائِجِ الَّتِي يَتَرَدَّدُ فِيهَا فِي الْمَنْزِلِ، وَفِي الْمُقِيمِ نَحْوُ ذَلِكَ، كَمَا جَرَتْ عَادَةُ لَابِسِي الْخِفَافِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: إِذَا كَانَ الْخُفُّ مُخَرَّقًا، فَفِي جَوَازِ الْمَسْحِ عَلَيْهِ خِلَافٌ بَيْنِ الْعُلَمَاءِ، فَذَهَبَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إِلَى أَنَّهُ إِنْ ظَهَرَ مِنْ تَخْرِيقِهِ قَدْرُ ثُلُثِ الْقَدَمِ لَمْ يَجُزِ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ ذَلِكَ جَازَ الْمَسْحُ عَلَيْهِ، وَاحْتَجُّوا بِأَنَّ الشَّرْعَ دَلَّ عَلَى أَنَّ الثُّلُثَ آخِرُ حَدِّ الْيَسِيرِ، وَأَوَّلُ حَدِّ الْكَثِيرِ.
وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ: لَا يَجُوزُ الْمَسْحُ عَلَى خُفٍّ فِيهِ خَرْقٌ يَبْدُو مِنْهُ شَيْءٌ مِنَ الْقَدَمِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، وَالشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ، وَمَعْمَرُ بْنُ رَاشِدٍ.