32

(وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ بِالْقَتْلِ وَجِهَادِ أَعْدَاءِ اللَّهِ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ، يَقُولُ: حَتَّى يَعْلَمَ حِزْبِي وَأَوْلِيَائِي أَهْلَ الْجِهَادِ فِي اللَّهِ مِنْكُمْ وَأَهْلَ الصَّبْرِ عَلَى قِتَالِ أَعْدَائِهِ فَيَظْهَرُ ذَلِكَ لَهُمْ وَيُعْرَفُ ذَوُو الْبَصَائِرِ مِنْكُمْ فِي دِينِهِ مِنْ ذَوِي الشَّكِّ وَالْحَيْرَةِ فِيهِ، وَأَهْلُ الْإِيمَانِ مِنْ أَهْلِ النِّفَاقِ، وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ فَنَعْرِفَ الصَّادِقَ مِنْكُمْ مِنَ الْكَاذِبِ) انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ بِلَفْظِهِ.

وَمَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ الْآيَةَ: حَتَّى يَعْلَمَ حِزْبُنَا وَأَوْلِيَاؤُنَا الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ - لَهُ وَجْهٌ، وَقَدْ يُرْشِدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ أَيْ نُظْهِرَهَا وَنُبْرِزَهَا لِلنَّاسِ.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ [3 \ 179] ; لِأَنَّ الْمُرَادَ بِمَيْزِ الْخَبِيثِ مِنَ الطِّيبِ ظُهُورُ ذَلِكَ لِلنَّاسِ.

وَلِذَا قَالَ: وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ [3 \ 179] ، فَتَعْلَمُوا مَا يَنْطَوِي عَلَيْهِ الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ، وَلَكِنَّ اللَّهَ عَرَّفَكُمْ بِذَلِكَ بِالِاخْتِبَارِ وَالِابْتِلَاءِ الَّذِي تَظْهَرُ بِسَبَبِهِ طَوَايَا النَّاسِ مِنْ خُبْثٍ وَطِيبٍ.

وَالْقَوْلُ الْأَوَّلُ وَجِيهٌ أَيْضًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ الظَّاهِرُ أَنَّ «صَدُّوا» فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُتَعَدِّيَةٌ، وَالْمَفْعُولُ مَحْذُوفٌ، أَيْ كَفَرُوا وَصَدُّوا غَيْرَهُمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَهُمْ ضَالُّونَ مُضِلُّونَ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ النَّحْلِ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ [16 \ 97] أَنَّ التَّأْسِيسَ مُقَدَّمٌ عَلَى التَّوْكِيدِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي الْأُصُولِ.

وَ «صَدُّوا» هُنَا إِنْ قُدِّرَتْ لَازِمَةً فَمَعْنَى الصُّدُودِ الْكُفْرُ، فَتَكُونُ كَالتَّوْكِيدِ لِقَوْلِهِ: كَفَرُوا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015