رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجِبُ تَقْدِيمُهُمَا عَلَى أَقْوَالِهِمْ، لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مَعْصُومِينَ مِنَ الْخَطَأِ، وَأَنَّ مَذَاهِبَهُمُ الْمُدَوَّنَةَ لَا يَصِحُّ وَلَا يَجُوزُ الِاسْتِغْنَاءُ بِهَا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ قَادِرٍ عَلَى التَّعْلِيمِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ، وَمَعْرِفَةُ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ تُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ، وَالنَّظَرُ فِيمَا اسْتَدَلَّ بِهِ كُلٌّ مِنْهُمْ يُعِينُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَرْجَحِ الْأَقْوَالِ وَأَقْرَبِهَا إِلَى رِضَا اللَّهِ.
وَكَذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ، فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا يَخْلُو مِنْ شَيْءٍ قَدْ أُخِذَ عَلَيْهِ، وَمُرَادُنَا هُنَا التَّمْثِيلُ لِذَلِكَ، وَأَنَّ الْوَحْيَ مُقَدَّمٌ عَلَى أَقْوَالِهِمْ جَمِيعًا، وَلَيْسَ قَصْدُنَا الْإِكْثَارُ مِنْ ذَلِكَ.
وَهَذِهِ أَمْثِلَةٌ بِالْمَطْلُوبِ وَكَانَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ أَرْجَأَ إِيرَادَهَا فَنَذْكُرُهَا عَلَى مَا هُوَ ظَاهِرٌ مِنَ الْمَذْهَبَيْنِ وَنَرْجُو أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لِمَا أَرَادَ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
فَمِمَّا هُوَ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنَ الشَّعْبَانِ حِينَمَا يُشَكُّ فِيهِ هَلْ هُوَ تَمَامُ شَعْبَانَ أَوْ أَوَّلُ رَمَضَانَ. وَذَلِكَ حِينَمَا تَكُونُ السَّمَاءُ مُغَيِّمَةً خَشْيَةَ أَنْ يَظْهَرَ الْهِلَالُ خَلْفَ الْغَيْمِ أَوِ الْقَتَرِ.
وَلَا يَكُونُ يَوْمَ شَكٍّ إِذَا كَانَتِ السَّمَاءُ صَحْوًا لِأَنَّهُ إِذَا رُئِيَ الْهِلَالُ فَهُوَ مِنْ رَمَضَانَ وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ شَعْبَانَ.
فَمَذْهَبُ أَحْمَدَ هُوَ صَوْمُ هَذَا الْيَوْمِ الْمَشْكُوكِ فِيهِ احْتِيَاطًا لِرَمَضَانَ، وَهُوَ نَصُّ الْمَعْنَى إِلَّا أَنَّهُ ذُكِرَ عَنْ أَحْمَدَ رِوَايَاتٌ أُخَرُ. وَلَكِنَّ صَوْمَهُ هُوَ الْمُقَدَّمُ فِي الْمَذْهَبِ. وَلَكِنَّهُ مُخَالِفٌ لِصَرِيحِ النَّصِّ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي ذَلِكَ: «مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ» - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ فِي بُلُوغِ الْمَرَامِ: ذَكَرَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَوَصَلَهُ، قَالَ فِي سُبُلِ السَّلَامِ: وَاعْلَمْ أَنَّ يَوْمَ الشَّكِّ هُوَ يَوْمُ الثَّلَاثِينَ مِنْ شَعْبَانَ إِذَا لَمْ يُرَ الْهِلَالُ فِي لَيْلَةٍ بِغَيْمٍ سَاتِرٍ، أَوْ نَحْوِهِ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ وَكَوْنُهُ مِنْ شَعْبَانَ، وَالْحَدِيثُ وَمَا فِي مَعْنَاهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ صَوْمِهِ. اهـ.
يَعْنِي بِمَا فِي مَعْنَاهُ قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِمُسْلِمٍ «فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدِرُوا لَهُ ثَلَاثِينَ» وَلِلْبُخَارِيِّ: «فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلَاثِينَ» .
وَشُبْهَةُ أَحْمَدَ فِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «فَاقْدِرُوا لَهُ» بِمَعْنَى فَضَيِّقُوا عَلَيْهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ