مَعَ أَنَّهُ عَالِمٌ مَالِكِيٌّ، لِأَنَّهُ رَأَى الْأَدِلَّةَ وَاضِحَةً وُضُوحًا لَا لَبْسَ فِيهِ فِي أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفَرُّقِ التَّفَرُّقُ بِالْأَبْدَانِ.

وَقَدْ صَرَّحَ بِذَلِكَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ رَاوِي الْحَدِيثِ، وَلَمْ يُعْلَمْ لَهُمْ مُخَالِفٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ الْمُنْصِفَ إِذَا تَأَمَّلَ تَأَمُّلًا صَادِقًا خَالِيًا مِنَ التَّعَصُّبِ عَرَفَ أَنَّ الْحَقَّ هُوَ ثُبُوتُ خِيَارِ الْمَجْلِسِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّفَرُّقِ التَّفَرُّقُ فِي الْأَبْدَانِ لَا بِالْكَلَامِ ; لِأَنَّ مَعْنَى التَّفَرُّقِ بِالْكَلَامِ هُوَ حُصُولُ الْإِيجَابِ مِنَ الْبَائِعِ وَالْقَبُولِ مِنَ الْمُشْتَرِي.

وَكُلُّ عَاقِلٍ يَعْلَمُ أَنَّ الْخِيَارَ حَاصِلٌ لِكُلٍّ مِنَ الْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي ضَرُورَةً قَبْلَ حُصُولِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ، فَحَمْلُ كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى هَذَا حَمْلٌ لَهُ عَلَى تَحْصِيلِ حَاصِلٍ، وَهُوَ كَمَا تَرَى.

مَعَ أَنَّ حَمْلَ الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْمَعْنَى يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمُتَبَايِعَيْنِ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَسَاوِمَانِ ; لِأَنَّهُ لَا يَصْدُقُ عَلَيْهِمَا اسْمُ الْمُتَبَايِعَيْنِ حَقِيقَةً إِلَّا بَعْدَ حُصُولِ الْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ.

وَحَمْلُ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي كَلَامِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمُتَسَاوِمَيْنِ اللَّذَيْنِ لَمْ يَنْعَقِدْ بَيْنَهُمَا بَيْعٌ خِلَافُ الظَّاهِرِ أَيْضًا كَمَا تَرَى.

وَأَمَّا كَوْنُ الْقَمْحِ وَالشَّعِيرِ جِنْسًا وَاحِدًا، فَقَدِ اسْتَدَلَّ لَهُ مَالِكٌ بِبَعْضِ الْآثَارِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مَرْفُوعٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ فِي الْمُوَطَّأِ: إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ يَسَارٍ قَالَ: فَنِيَ عَلَفُ حِمَارِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلِكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا، وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ. انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ.

وَفِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا عَنْ نَافِعٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الْأَسْوَدَ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ فَنِيَ عَلَفُ دَابَّتِهِ، فَقَالَ لِغُلَامِهِ: خُذْ مِنْ حِنْطَةِ أَهْلَكَ فَابْتَعْ بِهَا شَعِيرًا وَلَا تَأْخُذْ إِلَّا مِثْلَهُ. انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ.

وَفِي الْمُوَطَّأِ أَيْضًا: أَنَّ مَالِكًا بَلَغَهُ عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنِ ابْنِ مُعَيْقِيبٍ الدَّوْسِيِّ مِثْلَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015