غَيْرِ مُسْتَنَدٍ مِنَ أَدِلَّةِ الْوَحْيِ خَشْيَةَ إِلْحَاقِ الْجُهَّالِ لَهَا بِرَمَضَانَ، لَا يَلِيقُ بِجَلَالَةِ مَالِكٍ وَعِلْمِهِ وَوَرَعِهِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ لَمْ يَبْلُغْهُ كَمَا هُوَ صَرِيحُ كَلَامِهِ نَفْسِهِ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: لَمْ يَبْلُغْنِي ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنَ السَّلَفِ، وَلَوْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ لِعَمِلَ بِهِ ; لِأَنَّهُ رَحِمَهُ اللَّهُ مِنْ أَكْثَرِ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَحْرَصِهِمْ عَلَى الْعَمَلِ بِسُنَّتِهِ.

وَالْحَدِيثُ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ إِلَّا النِّسَائِيَّ، وَصَوْمُ السُّنَّةِ الْمَذْكُورُ رَوَاهُ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، مِنْهُمْ ثَوْبَانُ، وَجَابِرٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَالْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ كَمَا بَيَّنَهُ صَاحِبُ نَيْلِ الْأَوْطَارِ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَالْحَدِيثُ صَحِيحٌ وَيَكْفِي فِي ذَلِكَ إِسْنَادُ مُسْلِمٍ الْمَذْكُورُ، وَلَا عِبْرَةَ بِكَلَامِ مَنْ تَكَلَّمَ فِي سَعْدِ بْنِ سَعِيدٍ لِتَوْثِيقِ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَهُ وَاعْتِمَادِ مُسْلِمٍ عَلَيْهِ فِي صَحِيحِهِ.

وَمِنْ أَمْثِلَةِ مَا لَمْ تَبْلُغْ مَالِكًا رَحِمَهُ اللَّهُ فِيهِ السُّنَّةُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِفْرَادُ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَقَدْ قَالَ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُوَطَّأِ مَا نَصُّهُ: لَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْفِقْهِ، وَمَنْ يُقْتَدَى بِهِ يَنْهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَصِيَامُهُ حَسَنٌ، وَقَدْ رَأَيْتُ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَصُومُهُ، وَأَرَاهُ كَانَ يَتَحَرَّاهُ. انْتَهَى مِنْهُ بِلَفْظِهِ.

وَفِيهِ تَصْرِيحُهُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَسْمَعْ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ يَنْهَى عَنْ صَوْمِ الْجُمُعَةِ.

وَأَنَّ ذَلِكَ حَسَنٌ عِنْدِهِ، وَأَنَّهُ رَأَى بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَتَحَرَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِيَصُومَهُ.

وَهَذَا تَصْرِيحٌ مِنْهُ رَحِمَهُ اللَّهُ بِأَنَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ نَهْيُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ، وَأَمْرُهُ مَنْ صَامَهُ أَنْ يَصُومَ مَعَهُ يَوْمًا غَيْرَهُ وَإِلَّا أَفْطَرَ إِنِ ابْتَدَأَ صِيَامَهُ نَاوِيًا إِفْرَادَهُ.

وَلَوْ بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَعَمِلَ بِهَا وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِغَيْرِهَا ; لِأَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ ثَابِتٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

قَالَ الْبُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي صَحِيحِهِ: حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ شَيْبَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبَّادٍ، قَالَ: سَأَلْتُ جَابِرًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أَنَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَوْمِ الْجُمُعَةِ؟ قَالَ: نَعَمْ. زَادَ غَيْرُ أَبِي عَاصِمٍ: يَعْنِي أَنْ يَنْفَرِدَ بِصَوْمِهِ.

حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ عَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015