أَوْ لَمْ يَجِدْ كُفْئًا يَتَعَلَّمُ مِنْهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي التَّقْلِيدِ الْمَذْكُورِ لِلضَّرُورَةِ ; لِأَنَّهُ لَا مَنْدُوحَةَ لَهُ عَنْهُ.

أَمَّا الْقَادِرُ عَلَى التَّعَلُّمِ الْمُفَرِّطُ فِيهِ، وَالْمُقَدِّمُ آرَاءَ الرِّجَالِ عَلَى مَا عَلِمَ مِنَ الْوَحْيِ، فَهَذَا الَّذِي لَيْسَ بِمَعْذُورٍ.

التَّنْبِيهُ السَّابِعُ

اعْلَمْ أَنَّ مَوْقِفَنَا مِنَ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْأَرْبَعَةِ وَغَيْرِهِمْ هُوَ مَوْقِفُ سَائِرِ الْمُسْلِمِينَ الْمُنْصِفِينَ مِنْهُمْ.

وَهُوَ مُوَالَاتُهُمْ، وَمَحَبَّتُهُمْ، وَتَعْظِيمُهُمْ، وَإِجْلَالُهُمْ، وَالثَّنَاءُ عَلَيْهِمْ، بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْعِلْمِ وَالتَّقْوَى، وَاتِّبَاعُهُمْ فِي الْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَتَقْدِيمِهِمَا عَلَى رَأْيِهِمْ، وَتَعَلُّمُ أَقْوَالِهِمْ لِلِاسْتِعَانَةِ بِهَا عَلَى الْحَقِّ، وَتَرْكُ مَا خَالَفَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ مِنْهَا.

وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الَّتِي لَا نَصَّ فِيهَا فَالصَّوَابُ النَّظَرُ فِي اجْتِهَادِهِمْ فِيهَا، وَقَدْ يَكُونُ اتِّبَاعُ اجْتِهَادِهِمْ أَصْوَبُ مِنِ اجْتِهَادِنَا لِأَنْفُسِنَا ; لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ عِلْمًا وَتَقْوَى مِنَّا.

وَلَكِنْ عَلَيْنَا أَنْ نَنْظُرَ وَنَحْتَاطَ لِأَنْفُسِنَا فِي أَقْرَبِ الْأَقْوَالِ إِلَى رِضَا اللَّهِ وَأَحْوَطِهَا وَأَبْعَدِهَا مِنَ الِاشْتِبَاهِ، كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «دَعْ مَا يُرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يُرِيبُكَ» .

وَقَالَ: «فَمَنِ اتَّقَى الشُّبَهَاتِ فَقَدِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ» .

وَحَقِيقَةُ الْقَوْلِ الْفَصْلِ فِي الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُمُ اللَّهُ - أَنَّهُمْ مِنْ خِيَارِ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مَعْصُومِينَ مِنَ الْخَطَأِ، فَكُلُّ مَا أَصَابُوا فِيهِ فَلَهُمْ فِيهِ أَجْرُ الِاجْتِهَادِ وَأَجْرُ الْإِصَابَةِ، وَمَا أَخْطَئُوا فِيهِ فَهُمْ مَأْجُورُونَ فِيهِ بِاجْتِهَادِهِمْ مَعْذُورُونَ فِي خَطَئِهِمْ فَهُمْ مَأْجُورُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ، لَا يَلْحَقُهُمْ ذَمٌّ وَلَا عَيْبٌ وَلَا نَقْصٌ فِي ذَلِكَ.

وَلَكِنَّ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَاكِمَانِ عَلَيْهِمْ وَعَلَى أَقْوَالِهِمْ كَمَا لَا يَخْفَى.

فَلَا تَغْلُ فِي شَيْءٍ مِنَ الْأَمْرِ وَاقْتَصِدْ كِلَا طَرَفَيْ قَصْدِ الْأُمُورِ ذَمِيمُ فَلَا تَكُ مِمَّنْ يَذُمُّهُمْ وَيَنْتَقِصُهُمْ وَلَا مِمَّنْ يَعْتَقِدُ أَقْوَالَهُمْ مُغْنِيَةً عَنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ أَوْ مُقَدَّمَةً عَلَيْهِمَا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015