وَقَدْ يَكُونُ الْإِمَامُ اطَّلَعَ عَلَى الْحَدِيثِ، وَلَكِنَّ السَّنَدَ الَّذِي بَلَغَهُ بِهِ ضَعِيفٌ فَيَتْرُكُهُ لِضَعْفِ السَّنَدِ.
وَيَكُونُ غَيْرُهُ اطَّلَعَ عَلَى رِوَايَةٍ أُخْرَى صَحِيحَةٍ يَثْبُتُ بِهَا الْحَدِيثُ فَهُوَ مَعْذُورٌ فِي تَرْكِهِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَطَّلِعْ إِلَّا عَلَى السَّنَدِ الضَّعِيفِ، وَلَمْ تَبْلُغْهُ الطَّرِيقُ الصَّحِيحَةُ الْأُخْرَى.
وَقَدْ يَتْرُكُ الْحَدِيثَ لِشَيْءٍ يَظُنُّهُ أَرْجَحَ مِنْهُ، وَيَكُونُ الْوَاقِعُ أَنَّ الْحَدِيثَ أَرْجَحُ مِنْ ذَلِكَ الشَّيْءِ الَّذِي ظَنَّهُ لِقِيَامِ أَدِلَّةٍ أُخْرَى عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَطَّلِعْ عَلَيْهَا إِلَى أَسْبَابٍ أُخَرَ كَثِيرَةٍ، كَتَرْكِ الْأَئِمَّةِ لِلْعَمَلِ بِبَعْضِ النُّصُوصِ.
وَبِهَذَا كُلِّهِ تَعْلَمُ أَنَّ ظَنَّ اطِّلَاعِ الْإِمَامِ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَإِصَابَتِهِ فِي مَعَانِيهَا كُلِّهَا - ظَنٌّ بَاطِلٌ، وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ يُصَرِّحُ بِبُطْلَانِ هَذَا الظَّنِّ كَمَا سَتَرَى إِيضَاحَهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
فَاللَّازِمُ هُوَ مَا قَالَهُ الْأَئِمَّةُ أَنْفُسُهُمْ رَحِمَهُمُ اللَّهُ مِنْ أَنَّهُمْ قَدْ يُخْطِئُونَ، وَنَهَوْا عَنِ اتِّبَاعِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ يُخَالِفُ نَصًّا مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ.
فَالْمُتَّبِعُ لَهُمْ حَقِيقَةً، هُوَ مَنْ لَا يُقَدِّمُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ شَيْئًا.
أَمَّا الَّذِي يُقَدِّمُ أَقْوَالَ الرِّجَالِ عَلَى الْكِتَابِ وَصَحِيحِ السُّنَّةِ، فَهُوَ مُخَالِفٌ لَهُمْ لَا مُتَّبِعٌ لَهُمْ، وَدَعْوَاهُ اتِّبَاعَهُمْ كَذِبٌ مَحْضٌ.
وَأَمَّا الْقَضِيَّةُ الثَّانِيَةُ: فَهِيَ ظَنُّ الْمُقَلِّدِينَ أَنَّ لَهُمْ مِثْلَ مَا لِلْإِمَامِ مِنَ الْعُذْرِ فِي الْخَطَأِ.
وَإِيضَاحُهُ: أَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الْإِمَامَ لَوْ أَخْطَأَ فِي بَعْضِ الْأَحْكَامِ وَقَلَّدُوهُ فِي ذَلِكَ الْخَطَأِ يَكُونُ لَهُمْ مِنَ الْعُذْرِ فِي الْخَطَأِ وَالْأَجْرِ مِثْلَ مَا لِذَلِكَ الْإِمَامِ الَّذِي قَلَّدُوهُ ; لِأَنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ لَهُ فَيَجْرِي عَلَيْهِمْ مَا جَرَى عَلَيْهِ.
وَهَذَا ظَنٌّ كَاذِبٌ بَاطِلٌ بِلَا شَكٍّ. لِأَنَّ الْإِمَامَ الَّذِي قَلَّدُوهُ بَذَلَ جُهْدَهُ فِي تَعَلُّمِ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَأَقْوَالِ أَصْحَابِهِ وَفَتَاوَاهُمْ.
فَقَدْ شَمَّرَ وَمَا قَصَّرَ فِيمَا يَلْزَمُ مِنْ تَعَلُّمِ الْوَحْيِ وَالْعَمَلِ بِهِ وَطَاعَةِ اللَّهِ عَلَى ضَوْءِ الْوَحْيِ الْمُنَزَّلِ، وَمَنْ كَانَ هَذَا شَأْنُهُ فَهُوَ جَدِيرٌ بِالْعُذْرِ فِي خَطَئِهِ وَالْأَجْرِ فِي اجْتِهَادِهِ.
وَأَمَّا مُقَلِّدُوهُ فَقَدْ تَرَكُوا النَّظَرَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَأَعْرَضُوا عَنْ تَعَلُّمِهِمَا