الْأَحَادِيثِ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ غَيْرِهِمْ، وَلَمْ يَتَيَسَّرِ الِاطِّلَاعُ عَلَيْهِ إِلَّا بَعْدَ أَزْمَانٍ، وَكَثْرَةُ عِلْمِ الْعَالِمِ لَا تَسْتَلْزِمُ اطِّلَاعَهُ عَلَى جَمِيعِ النُّصُوصِ.
فَهَذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ عَجِزَ عَنِ أَنْ يَفْهَمَ مَعْنَى الْكَلَالَةِ حَتَّى مَاتَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَقَدْ سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهَا كَثِيرًا فَبَيَّنَهَا لَهُ وَلَمْ يَفْهَمْ.
فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: مَا سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ شَيْءٍ أَكْثَرَ مِمَّا سَأَلْتُهُ عَنِ الْكَلَالَةِ، حَتَّى طَعَنَ بِإِصْبَعِهِ فِي صَدْرِي، وَقَالَ لِي: «يَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ» ، فَهَذَا مِنَ أَوْضَحِ الْبَيَانِ ; لِأَنَّ مُرَادَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِآيَةِ الصَّيْفِ يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ [4 \ 176] ، وَالْآيَةُ تُبَيِّنُ مَعْنَى الْكَلَالَةِ بَيَانًا شَافِيًا، لِأَنَّهَا أَوْضَحَتْ أَنَّهَا: مَا دُونَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ.
فَبَيَّنَتْ نَفْيَ الْوَلَدِ بِدَلَالَةِ الْمُطَابَقَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ [4 \ 176] ، وَبَيَّنَتْ نَفْيَ الْوَالِدِ بِدَلَالَةِ الِالْتِزَامِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ [4 \ 176] ; لِأَنَّ مِيرَاثَ الْأُخْتِ يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْوَلَدِ.
وَمَعَ هَذَا الْبَيَانِ النَّبَوِيِّ الْوَاضِحِ لِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَفْهَمْ، وَقَدْ صَحَّ عَنْهُ أَنَّ الْكَلَالَةَ لَمْ تَزَلْ مُشْكِلَةً عَلَيْهِ.
وَقَدْ خَفِيَ مَعْنَى هَذَا أَيْضًا عَلَى أَبِي بَكْرِ الصَّدِيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ فِي الْكَلَالَةِ: أَقُولُ فِيهَا بِرَأْيِي. فَإِنْ كَانَ صَوَابًا فَمِنَ اللَّهِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً فَمِنِّي وَمِنَ الشَّيْطَانِ، هُوَ مَا دُونُ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ.
فَوَافَقَ رَأْيُهُ مَعْنَى الْآيَةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ فَاهِمًا لِلْآيَةِ لَكَفَتْهُ عَنِ الرَّأْيِ ; كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِعُمْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «تَكْفِيكَ آيَةُ الصَّيْفِ» ، وَهُوَ تَصْرِيحٌ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّ فِي الْآيَةِ كِفَايَةً عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهَا فِي الْحُكْمِ الْمَسْئُولِ عَنْهُ.
وَمِمَّا يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ عُمَرَ طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَيَانَ الْآيَةِ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ لَا يَجُوزُ فِي حَقِّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا أَحَالَ عُمَرُ عَلَى الْآيَةِ إِلَّا لِأَنَّ فِيهَا مِنَ الْبَيَانِ مَا يَشْفِي وَيَكْفِي.
وَقَدْ خَفِيَ عَلَى أَبِي بَكْرِ الصَّدِيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَعْطَى الْجَدَّةَ السُّدْسَ