فَالْجَوَابُ أَنَّ بَيَانَ قِرَاءَةِ النَّصْبِ بِقِرَاءَةِ الْجَرِّ، كَمَا ذَكَرَ، تَأْبَاهُ السُّنَّةُ الصَّرِيحَةُ الصَّحِيحَةُ النَّاطِقَةُ بِخِلَافِهِ، وَبِتَوَعُّدِ مُرْتَكِبِهِ بِالْوَيْلِ مِنَ النَّارِ بِخِلَافِ بَيَانِ قِرَاءَةِ الْخَفْضِ بِقِرَاءَةِ النَّصْبِ، فَهُوَ مُوَافِقٌ لِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الثَّابِتَةَ عَنْهُ قَوْلًا وَفِعْلًا.

فَقَدْ أَخْرَجَ الشَّيْخَانِ فِي صَحِيحَيْهِمَا، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.

قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا، وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلَاةُ صَلَاةُ الْعَصْرِ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» ، وَكَذَلِكَ هُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ.

وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَسْبِغُوا الْوُضُوءَ، وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَالْحَاكِمُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَارِثِ بْنِ جُزْءٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ، وَبُطُونِ الْأَقْدَامِ مِنَ النَّارِ» ; وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَابْنُ مَاجَهْ، وَابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» .

وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ مُعَيْقِيبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ» ، قَالَ: فَمَا بَقِيَ فِي الْمَسْجِدِ شَرِيفٌ وَلَا وَضِيعٌ إِلَّا نَظَرْتُ إِلَيْهِ يُقَلِّبُ عُرْقُوبَيْهِ يَنْظُرُ إِلَيْهِمَا.

وَثَبَتَ فِي أَحَادِيثِ الْوُضُوءِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَعَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَمُعَاوِيَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَالْمِقْدَادِ بْنِ مَعْدِيَكَرِبَ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَسَلَ الرِّجْلَيْنِ فِي وُضُوئِهِ، إِمَّا مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا» عَلَى اخْتِلَافِ رِوَايَاتِهِمْ.

وَفِي حَدِيثِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَوَضَّأَ فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ» . ثُمَّ قَالَ: «هَذَا وُضُوءٌ لَا يَقْبَلُ اللَّهُ الصَّلَاةَ إِلَّا بِهِ» .

وَالْأَحَادِيثُ فِي الْبَابِ كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَهِيَ صَحِيحَةٌ صَرِيحَةٌ فِي وُجُوبِ غَسْلِ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ، وَعَدَمِ الِاجْتِزَاءِ بِمَسْحِهِمَا.

وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِمَسْحِ الرِّجْلَيْنِ غَسْلُهُمَا. وَالْعَرَبُ تُطْلِقُ الْمَسْحَ عَلَى الْغَسْلِ أَيْضًا، وَتَقُولُ تَمَسَّحْتُ بِمَعْنَى تَوَضَّأْتُ، وَمَسَحَ الْمَطَرُ الْأَرْضَ أَيْ غَسَلَهَا،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015