اعْلَمْ أَوَّلًا أَنَّ الْحَدِيثَ لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ لَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ، فَجَمِيعُ طُرُقِهِ لَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ قَائِمٌ، قَالَ فِي إِعْلَامِ الْمُوَقِّعِينَ:

رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طَرِيقِ الْأَعْمَشِ عَنْ أَبِي سُفْيَانَ عَنْ جَابِرٍ، وَمِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ.

وَمِنْ طَرِيقِ حَمْزَةَ الْجُرَيِّ، عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَلَا يَثْبُتُ شَيْءٌ مِنْهَا.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ ; أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُضَرِّحٍ حَدَّثَهُمْ: ثِنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَيُّوبٍ الصَّمُوتُ قَالَ: قَالَ لَنَا الْبَزَّارُ: وَأَمَّا مَا يُرْوَى عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ» فَهَذَا الْكَلَامُ لَا يَصِحُّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْتَهَى مِنْهُ.

وَضَعْفُ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ مَعْرُوفٌ عَنِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

مَعَ أَنَّ الْمُقَلِّدِينَ الْمُحْتَجِّينَ بِهِ يَمْنَعُونَ تَقْلِيدَ الصَّحَابَةِ، وَيُحَرِّمُونَ الِاهْتِدَاءَ بِتِلْكَ النُّجُومِ.

وَهُوَ تَنَاقُضٌ عَجِيبٌ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا نَفْسَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَاسْتَدَلُّوا بِالْحَدِيثِ عَلَى مَا لَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ الْحَدِيثُ، وَهُوَ تَقْدِيمُهُمْ تَقْلِيدَ أَئِمَّتِهِمْ عَلَى تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ.

مَعَ أَنَّ قِيَاسَهُمْ عَلَى الصَّحَابَةِ لَا يَصِحُّ لِعِظَمِ الْفَارِقِ، وَبِمَا ذَكَرْنَا تَعْلَمُ سُقُوطَ اسْتِدْلَالِهِمْ بِمَا ذَكَرُوا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِنْ قَوْلِهِ: «مَنْ كَانَ مُسْتَنًا مِنْكُمْ فَلْيَسْتَنَّ بِمَنْ قَدْ مَاتَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ» .

وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ: أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ [2 \ 44] .

وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ مِنْ بَعْدِي» .

وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «اقْتَدُوا بِاللَّذَيْنِ مِنْ بِعْدِي أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ» فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ ; لِأَنَّ سُنَّةَ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الَّتِي حَثَّ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَقْرُونَةٌ بِسُنَّتِهِ لَيْسَ فِيهَا الْبَتَّةَ تَقْلِيدٌ أَعْمَى، وَلَا الْتِزَامُ قَوْلِ رَجُلٍ بِعَيْنِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015