وَأَنْتَ تَرَى عُمْرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يُقَلِّدْ فِيهَا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِلَّا فِيمَا يَعْتَقِدُ صَوَابَهُ.
فَإِنَّ مَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ صَوَابٌ قَالَ لَهُ فِيهِ: نِعْمَ مَا ذَكَرْتَ.
وَمَا ظَهَرَ لَهُ أَنَّهُ لَيْسَ بِصَوَابٍ رَدَّهُ عَلَى أَبِي بَكْرٍ، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ بِدَفْعِ دِيَاتِ الشُّهَدَاءِ ; لِأَنَّ عُمَرَ يَعْتَقِدُ أَنَّ الشَّهِيدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا دِيَةَ لَهُ ; لِأَنَّ اللَّهَ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [9 \ 111] .
وَذَلِكَ يُوَضِّحُ لَكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ لَا يَعْدِلُونَ عَنِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إِلَى قَوْلِ أَحَدٍ.
وَأَمَّا احْتِجَاجُهُمْ بِتَقْلِيدِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِعُمْرَ فَهُوَ ظَاهِرُ السُّقُوطِ، وَلَوْ وَافَقَ عُمَرَ فِي بَعْضِ الْمَسَائِلِ فَهُوَ مِنْ قَبِيلِ مُوَافَقَةِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ لِبَعْضٍ، لِاتِّفَاقِ رَأْيِهِمْ لَا لِتَقْلِيدِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ.
وَقَدْ خَالَفَ ابْنُ مَسْعُودٍ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي مَسَائِلَ كَثِيرَةٍ جِدًّا، كَمُخَالَفَتِهِ لَهُ فِي أُمِّ الْوَلَدِ ; لِأَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِيهَا: إِنَّهَا تُعْتَقُ مِنْ نَصِيبِ وَلَدِهَا، وَمِنْ ذَلِكَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يُطَبِّقُ فِي رُكُوعِهِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَعُمَرُ كَانَ يَضَعُ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي الْحَرَامِ: هِيَ يَمِينٌ، وَعُمْرُ يَقُولُ: إِنَّهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يُحَرِّمُ النِّكَاحَ بَيْنَ الزَّانِيَيْنِ وَعُمَرُ يُتَوِّبُهُمَا، وَيُنْكِحُ أَحَدَهُمَا الْآخَرَ.
وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ يَرَى بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقَهَا، وَعُمْرُ يُرَى عَدَمَ ذَلِكَ، وَأَمْثَالُ هَذَا كَثِيرَةٌ مَعْلُومَةٌ.
مَعَ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ: إِنَّهُ أَعْلَمُ الصَّحَابَةِ بِكِتَابِ اللَّهِ وَأَنَّهُ لَوْ كَانَ أَحَدٌ أَعْلَمَ مِنْهُ بِهِ لَرَحَلَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا عَنْهُ قَوْلَهُ: كُنْ عَالِمًا أَوْ مُتَعَلِّمًا، وَلَا تَكُنِ إِمَّعَةً.
فَلَيْسَ ابْنُ مَسْعُودٍ مَنِ أَهْلِ التَّقْلِيدِ، مَعَ أَنَّ الْمُقَلِّدِينَ الْمُحْتَجِّينَ بِتَقْلِيدِ ابْنِ مَسْعُودٍ