مُعَلِّمِكَ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَى مُعَلِّمِكَ: كَمَا لَمْ يَقُلْ مُعَلِّمُكَ إِلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَلَيْكَ.
فَإِنْ قَالَ: نَعَمْ، تَرَكَ تَقْلِيدَ مُعَلِّمِهِ إِلَى تَقْلِيدِ مُعَلَّمِ مُعَلِّمِهِ.
وَكَذَلِكَ مَنْ هُوَ أَعَلَى حَتَّى يَنْتَهِيَ الْأَمْرُ إِلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ أَبَى ذَلِكَ نَقَضَ قَوْلَهُ.
وَقِيلَ لَهُ: كَيْفَ تُجَوِّزُ تَقْلِيدَ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ، وَأَقَلُّ عِلْمًا؟
وَلَا تُجَوِّزُ تَقْلِيدَ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَأَكْثَرُ عِلْمًا، وَهَذَا تَنَاقُضٌ؟
فَإِنْ قَالَ: لِأَنَّ مُعَلِّمِي وَإِنْ كَانَ أَصْغَرَ فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ، فَهُوَ أَبْصَرُ بِمَا أَخَذَ وَأَعْلَمُ بِمَا تَرَكَ.
قِيلَ لَهُ: كَذَلِكَ مَنْ تَعَلَّمَ مِنْ مُعَلِّمِكَ، فَقَدْ جَمَعَ عِلْمَ مُعَلِّمِكَ وَعَلَمَ مَنْ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِهِ فَيَلْزَمُكَ تَقْلِيدُهُ وَتَرْكُ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِكَ، وَكَذَلِكَ أَنْتَ أَوْلَى أَنْ تَقَلِّدَ نَفْسَكَ مِنْ مُعَلِّمِكَ. لِأَنَّكَ جَمَعْتَ عِلْمَ مُعَلِّمِكَ وَعَلَمَ مَنْ هُوَ فَوْقَهُ إِلَى عِلْمِكَ.
فَإِنْ قَلَّدَ قَوْلَهُ جَعَلَ الْأَصْغَرَ وَمَنْ يُحَدِّثُ مِنْ صِغَارِ الْعُلَمَاءِ، أَوْلَى بِالتَّقْلِيدِ مِنَ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ.
وَكَذَلِكَ الصَّاحِبُ عِنْدَهُ يَلْزَمُهُ تَقْلِيدُ التَّابِعِ وَالتَّابِعِ مِنْ دُونِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ. وَالْأَعْلَى لِلْأَدْنَى أَبَدًا.
وَكَفَى بِقَوْلٍ يَئُولُ إِلَى هَذَا تَنَاقُضًا وَفَسَادًا اهـ.
ثُمَّ قَالَ أَبُو عُمَرَ رَحِمَهُ اللَّهُ بَعْدَ هَذَا مَا نَصُّهُ: يُقَالُ لِمَنْ قَالَ بِالتَّقْلِيدِ: لِمَ قُلْتَ بِهِ، وَخَالَفْتَ السَّلَفَ فِي ذَلِكَ فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقَلِّدُوا؟
فَإِنْ قَالَ: قَلَّدْتُ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ لَا عِلْمَ لِي بِتَأْوِيلِهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ أُحْصِهَا، وَالَّذِي قَلَّدْتُهُ قَدْ عَلِمَ ذَلِكَ فَقَلَّدْتُ مَنْ هُوَ أَعْلَمُ مِنِّي.
قِيلَ لَهُ: أَمَّا الْعُلَمَاءُ، إِذَا أَجْمَعُوا عَلَى شَيْءٍ مِنْ تَأْوِيلِ الْكِتَابِ أَوْ حِكَايَةٍ عَنْ سُنَّةِ رَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَوِ اجْتَمَعَ رَأْيُهُمْ عَلَى شَيْءٍ فَهُوَ الْحَقُّ لَا شَكَّ فِيهِ، وَلَكِنْ قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا قَلَّدْتَ فِيهِ بَعْضَهُمْ دُونَ بَعْضٍ، فَمَا حُجَّتُكَ فِي تَقْلِيدِ بَعْضِهِمْ دُونَ بَعْضٍ.