وَالْكَثْرَةِ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ فِي سُورَةِ الْقَمَرِ مَرَّاتٍ مُتَعَدِّدَةً: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [54 \ 17 - 22 - 32 - 40] ، وَيَقُولُ تَعَالَى فِي الدُّخَانِ: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [44 \ 58] ، وَيَقُولُ فِي مَرْيَمَ: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنْذِرَ بِهِ قَوْمًا لُدًّا [19 \ 97] .

فَهُوَ كِتَابٌ مُيَسَّرٌ بِتَيْسِيرِ اللَّهِ لِمَنْ وَفَّقَهُ اللَّهُ لِلْعَمَلِ بِهِ، وَاللَّهُ - جَلَّ وَعَلَا - يَقُولُ: بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ [29 \ 49] ، وَيَقُولُ: وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ [7 \ 52] .

فَلَا شَكَّ أَنَّ الَّذِي يَتَبَاعَدُ عَنْ هُدَاهُ يُحَاوِلُ التَّبَاعُدَ عَنْ هُدَى اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ.

وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ هُوَ النُّورُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ إِلَى أَرْضِهِ، لِيُسْتَضَاءَ بِهِ، فَيُعْلَمَ فِي ضَوْئِهِ الْحَقُّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالْحَسَنُ مِنَ الْقَبِيحِ، وَالنَّافِعُ مِنَ الضَّارِّ، وَالرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.

قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا [4 \ 174] .

وَقَالَ تَعَالَى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [5 \ 15] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا [42 \ 52] ، وَقَالَ تَعَالَى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنْزَلْنَا [64 \ 8] ، وَقَالَ تَعَالَى: فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [7 \ 157] .

فَإِذَا عَلِمْتَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ الْعَظِيمَ، هُوَ النُّورُ الَّذِي أَنْزَلَهُ اللَّهُ لِيُسْتَضَاءَ بِهِ، وَيُهْتَدَى بِهُدَاهُ فِي أَرْضِهِ، فَكَيْفَ تَرْضَى لِبَصِيرَتِكَ أَنْ تَعْمَى عَنِ النُّورِ.

فَلَا تَكُنْ خُفَّاشِيَّ الْبَصِيرَةِ، وَاحْذَرْ أَنْ تَكُونَ مِمَّنْ قِيلَ فِيهِمْ:

خَفَافِيشٌ أَعْمَاهَا النَّهَارُ بِضَوْئِهِ

وَوَافَقَهَا قِطْعٌ مِنَ اللَّيْلِ مُظْلِمُ

مِثْلُ النَّهَارِ يَزِيدُ أَبْصَارَ الْوَرَى

نُورًا وَيُعْمِي أَعْيُنَ الْخُفَّاشِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015