وَالزَّمَخْشَرِيُّ فِي كَلَامِهِ كُلَّمَا أَرَادَ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثَالٍ فِي الْآيَةِ خَارِجًا عَنْهَا اضْطُرَّ إِلَى أَنْ لَا يُعَلِّقَ عَلَى الْمُحَالِ فِي زَعْمِهِ إِلَّا مُحَالًا.
فَضَرْبُهُ لِلْآيَةِ الْمَثَلَ بِقِصَّةِ ابْنِ جُبَيْرٍ مَعَ الْحَجَّاجِ - دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَعَلَى تَنَاقُضِهِ وَتَخَبُّطِهِ.
فَإِنَّهُ قَالَ فِيهَا: إِنَّ الْحَجَّاجَ قَالَ لِسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: لَأُبَدِّلَنَّكَ بِالدُّنْيَا نَارًا تَلَظَّى.
قَالَ سَعِيدٌ لِلْحَجَّاجِ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ إِلَيْكَ مَا عَبَدْتُ إِلَهًا غَيْرَكَ.
فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ عَلَّقَ الْمُحَالَ عَلَى الْمُحَالِ، وَلَوْ كَانَ غَيْرَ مُتَنَاقِضٍ لِلْمَعْنَى الَّذِي مَثَّلَ لَهُ بِهِ الزَّمَخْشَرِيُّ لَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ إِلَيْكَ لَكُنْتُ أَوَّلَ الْعَابِدِينَ لِلَّهِ.
فَقَوْلُهُ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ إِلَيْكَ فِي مَعْنَى قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ، فَنِسْبَةُ الْوَلَدِ وَالشَّرِيكِ إِلَيْهِ مَعْنَاهُمَا فِي الِاسْتِحَالَةِ وَادِّعَاءِ النَّقْصِ وَاحِدٌ.
فَلَوْ كَانَ سَعِيدٌ يَفْهَمُ الْآيَةَ كَفَهْمِكَ الْبَاطِلِ لَقَالَ: لَوْ عَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ إِلَيْكَ لَكُنْتُ أَوَّلَ الْعَابِدِينَ لِلَّهِ.
وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقُلْ هَذَا ; لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ يَجُوزُ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ.
وَكَذَلِكَ تَمْثِيلُ الزَّمَخْشَرِيِّ لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ فِي كَلَامِهِ الْقَبِيحِ الْبَشِعِ الشَّنِيعِ الَّذِي يَتَقَاصَرُ عَنِ التَّلَفُّظِ بِهِ كُلُّ كَافِرٍ.
فَقَدِ اضْطُرَّ فِيهِ أَيْضًا إِلَى أَلَّا يُعَلِّقَ عَلَى الْمُحَالِ فِي زَعْمِهِ إِلَّا مُحَالًا شَنِيعًا ; فَإِنَّهُ قَالَ فِيهِ: وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ الْعَدْلِيُّ لِلْمُجَبِّرِ: إِنْ كَانَ اللَّهُ - تَعَالَى - خَالِقًا لِلْكُفْرِ فِي الْقُلُوبِ، وَمُعَذِّبًا عَلَيْهِ عَذَابًا سَرْمَدًا، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقُولُ هُوَ شَيْطَانٌ، وَلَيْسَ بِإِلَهٍ.
فَانْظُرْ قَوْلَ هَذَا الضَّالِّ فِي ضَرْبِهِ الْمَثَلَ فِي مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِقَوْلِ الضَّالِّ الَّذِي يُسَمِّيهِ الْعَدْلِيَّ: إِنْ كَانَ اللَّهُ خَالِقًا لِلْكُفْرِ فِي الْقُلُوبِ. . . إِلَخْ.
فَخَلْقُ اللَّهِ لِلْكُفْرِ فِي الْقُلُوبِ وَتَعْذِيبُهُ الْكُفَّارَ عَلَى كُفْرِهِمْ - مُسْتَحِيلٌ عِنْدَهُ كَاسْتِحَالَةِ نِسْبَةِ الْوَلَدِ لِلَّهِ، وَهَذَا الْمُسْتَحِيلُ فِي زَعْمِهِ الْبَاطِلِ، إِنَّمَا عَلَّقَ عَلَيْهِ أَفْظَعَ أَنْوَاعِ الْمُسْتَحِيلِ