مَعَ أَنَّ الرَّبْطَ صَحِيحٌ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْفِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ وَلَا غَيْرُهُ الطَّرَفَيْنِ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى، فَلَا يَقُولُ هُوَ وَلَا غَيْرُهُ: لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ، وَلَا أَعْبُدُهُ.

وَعَلَى كُلِّ حَالٍ، فَالرَّبْطُ بَيْنَ الشَّكِّ وَسُؤَالِ الشَّاكِّ لِلْعَالِمِ أَمْرٌ صَحِيحٌ، بِخِلَافِ الرَّبْطِ بَيْنَ الْعِبَادَةِ وَكَوْنِ الْمَعْبُودِ وَالِدًا أَوْ وَلَدًا، فَلَا يَصِحُّ.

فَاتَّضَحَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، وَحَدِيثُ: «لَا أَشُكُّ وَلَا أَسْأَلُ أَهْلَ الْكِتَابِ» . رَوَاهُ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ مُرْسَلًا.

وَبِنَحْوِهِ قَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ، وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ بِلَا شَكٍّ.

وَمَا قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ يَسْتَغْرِبُهُ كُلُّ مَنْ رَآهُ ; لِقُبْحِهِ وَشَنَاعَتِهِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أَحَدًا مِنَ الْكُفَّارِ فِي مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عَنْهُمْ يَتَجَرَّأُ عَلَى مِثْلِهِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْهُ، وَهَذَا مَعَ عَدَمِ فَهْمِهِ لِمَا يَقُولُ وَتَنَاقُضِ كَلَامِهِ.

وَسَنَذْكُرُ هُنَا كَلَامَهُ الْقَبِيحَ لِلتَّنْبِيهِ عَلَى شَنَاعَةِ غَلَطِهِ الدِّينِيِّ وَاللُّغَوِيِّ.

قَالَ فِي الْكَشَّافِ مَا نَصُّهُ: قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ وَصَحَّ ذَلِكَ وَثَبَتَ بِبُرْهَانٍ صَحِيحٍ تُورِدُونَهُ وَحُجَّةٍ وَاضِحَةٍ تُدْلُونَ بِهَا، (فَأَنَا أَوَّلُ) مَنْ يُعَظِّمُ ذَلِكَ الْوَلَدَ وَأَسْبِقُكُمْ إِلَى طَاعَتِهِ وَالِانْقِيَادِ لَهُ، كَمَا يُعَظِّمُ الرَّجُلُ وَلَدَ الْمَلِكِ لِتَعْظِيمِ أَبِيهِ.

وَهَذَا كَلَامٌ وَارِدٌ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ وَالتَّمْثِيلِ لِغَرَضٍ، وَهُوَ الْمُبَالَغَةُ فِي نَفْيِ الْوَلَدِ وَالْإِطْنَابِ فِيهِ، وَأَلَّا يُتْرَكَ لِلنَّاطِقِ بِهِ شُبْهَةٌ إِلَّا مُضْمَحِلَّةٌ، مَعَ التَّرْجَمَةِ عَنْ نَفْسِهِ بِإِثْبَاتِ الْقِدَمِ فِي بَابِ التَّوْحِيدِ، وَذَلِكَ أَنَّهُ عَلَّقَ الْعِبَادَةَ بِكَيْنُونَةِ الْوَلَدِ وَهِيَ مُحَالٌ فِي نَفْسِهَا، فَكَانَ الْمُعَلَّقُ بِهَا مُحَالًا مِثْلَهَا، فَهُوَ فِي صُورَةِ إِثْبَاتِ الْكَيْنُونَةِ وَالْعِبَادَةِ، وَفِي مَعْنَى نَفْيِهِمَا عَلَى أَبْلَغِ الْوُجُوهِ وَأَقْوَاهَا.

وَنَظِيرُهُ أَنْ يَقُولَ الْعَدْلِيُّ لِلْمُجَبِّرِ: إِنْ كَانَ اللَّهُ - تَعَالَى - خَالِقًا لِلْكُفْرِ فِي الْقُلُوبِ وَمُعَذِّبًا عَلَيْهِ عَذَابًا سَرْمَدًا، فَأَنَا أَوَّلُ مَنْ يَقُولُ: هُوَ شَيْطَانٌ، وَلَيْسَ بِإِلَهٍ.

فَمَعْنَى هَذَا الْكَلَامِ وَمَا وُضِعَ لَهُ أُسْلُوبُهُ وَنَظْمُهُ نَفْيُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ - تَعَالَى - خَالِقًا لِلْكُفْرِ، وَتَنْزِيهُهُ عَنْ ذَلِكَ وَتَقْدِيسُهُ، وَلَكِنْ عَلَى طَرِيقِ الْمُبَالَغَةِ فِيهِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا، مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى سَمَاحَةِ الْمَذْهَبِ وَضَلَالَةِ الذَّاهِبِ إِلَيْهِ، وَالشَّهَادَةِ الْقَاطِعَةِ بِإِحَالَتِهِ وَالْإِفْصَاحِ عَنْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015