ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ إِبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ: إِنَّهُ بَرَاءٌ، أَيْ بَرِيءٌ، مِنْ جَمِيعِ مَعْبُودَاتِهِمُ الَّتِي يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيْ يَعْنِي أَنَّهُ بَرِيءٌ مِنْ عِبَادَةِ كُلِّ مَعْبُودٍ، إِلَّا الْمَعْبُودَ الَّذِي خَلَقَهُ وَأَوْجَدَهُ، فَهُوَ وَحْدَهُ مَعْبُودُهُ.
وَقَدْ أَوْضَحَ - تَعَالَى - هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ مِنْ كِتَابِهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: قَالَ أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ الْآيَةَ [26 \ 57 - 78] . وَكَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَاقَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [6 \ 78 - 79] .
وَزَادَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي سُورَةِ «الْمُمْتَحَنَةِ» بَرَاءَتَهُ أَيْضًا مِنَ الْعَابِدِينَ، وَعَدَاوَتَهُ لَهُمْ، وَبُغْضَهُ لَهُمْ فِي اللَّهِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [60 \ 4] .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ ذَكَرَ نَحْوَهُ فِي قَوْلِهِ: الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ [26 \ 78] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ [37 \ 99] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ [6 \ 77] .
وَقَوْلُهُ - تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي أَيْ خَلَقَنِي - يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إِلَّا الْخَالِقُ وَحْدَهُ - جَلَّ وَعَلَا -.
وَهَذَا الْمَعْنَى الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ - دَلَّتْ عَلَيْهِ آيَاتٌ أُخَرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ الْآيَةَ [2 \ 21] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: وَاتَّقُوا الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالْجِبِلَّةَ الْأَوَّلِينَ [26 \ 184] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ [13 \ 16] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ الْآيَةَ [16 \ 17] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: