قَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ نَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَابْنُ عَامِرٍ عِنْدَ الرَّحْمَنِ بِسُكُونِ النُّونِ وَفَتْحِ الدَّالِ، ظَرْفٌ، كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لَا يَسْتَكْبِرُونَ [7 \ 206] . وَقَرَأَهُ أَبُو عَمْرٍو وَعَاصِمٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَبَاءٍ مُوَحَّدَةٍ بَعْدَهَا أَلِفٌ وَضَمِّ الدَّالِ، جَمْعُ عَبْدٍ، كَقَوْلِهِ: وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الْآيَةَ [25 \ 63] .
وَقَوْلُهُ: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ. قَرَأَهُ عَامَّةُ السَّبْعَةِ غَيْرَ نَافِعٍ (أَشَهِدُوا) بِهَمْزَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ فَتْحِ الشِّينِ، وَقَرَأَهُ نَافِعٌ (أَأُشْهِدُوا) . بِهَمْزَتَيْنِ الْأُولَى مَفْتُوحَةٌ مُحَقَّقَةٌ، وَالثَّانِيَةُ مَضْمُومَةٌ مُسَهَّلَةٌ بَيْنَ بَيْنَ، وَقَالُوا: يُجْعَلُ بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ أَلِفُ الْإِدْخَالِ عَلَى إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
وَقَدْ ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَرْبَعَ مَسَائِلَ: الْأُولَى: أَنَّ الْكُفَّارَ افْتَرَوْا عَلَى الْمَلَائِكَةِ أَنَّهُمْ إِنَاثٌ، زَاعِمِينَ أَنَّهُمْ بَنَاتُ اللَّهِ.
الثَّانِيَةُ: أَنَّهُ وَبَّخَهُمْ عَلَى ذَلِكَ تَوْبِيخًا شَدِيدًا وَأَنْكَرَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ يَعْنِي هَلْ حَضَرُوا خَلْقَ اللَّهِ لَهُمْ فَعَايَنُوهُمْ إنَاثًا.
الثَّالِثَةُ: أَنَّ شَهَادَتَهُمُ الْكَاذِبَةَ بِذَلِكَ سَتُكْتَبُ عَلَيْهِمْ.
الرَّابِعَةُ: أَنَّهُمْ يُسْأَلُونَ عَنْهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الْأَرْبَعُ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، جَاءَتْ مُوَضَّحَةً فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
أَمَّا الْأُولَى مِنْهَا. وَهِيَ كَوْنُهُمُ اعْتَقَدُوا الْمَلَائِكَةَ إنَاثًا، فَقَدْ ذَكَرَهَا - تَعَالَى - فِي مَوَاضِعَ مِنْ كِتَابِهِ كَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إِنَاثًا إِنَّكُمْ لَتَقُولُونَ قَوْلًا عَظِيمًا [17 \ 40] . وَكَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلَائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثَى الْآيَةَ [53 \ 27] . وَقَوْلِهِ - تَعَالَى -: فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُونَ أَمْ خَلَقْنَا الْمَلَائِكَةَ إِنَاثًا الْآيَةَ [37 \ 149 - 150] . إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ، وَهِيَ سُؤَالُهُ - تَعَالَى - لَهُمْ عَلَى وَجْهِ الْإِنْكَارِ وَالتَّوْبِيخِ وَالتَّقْرِيعِ: