وَالْأَظْهَرُ أَنَّهَا الْجَنَّةُ، وَيَدُلُّ لَهُ حَدِيثُ «الْحُسْنَى الْجَنَّةُ، وَالزِّيَادَةُ النَّظَرُ إِلَى وَجْهِ اللَّهِ الْكَرِيمِ» فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [10 \ 26] كَمَا قَدَّمْنَاهُ.

وَآيَةُ «النَّجْمِ» الْمَذْكُورَةُ هِيَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى [53 \ 31] . ثُمَّ بَيَّنَ الْمُرَادَ بِالَّذِينِ أَحْسَنُوا فِي قَوْلِهِ: الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلَّا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ [53 \ 23] .

وَأَظْهَرُ الْأَقْوَالِ فِي قَوْلِهِ: (إِلَّا اللَّمَمَ) - أَنَّ الْمُرَادَ بِاللَّمَمِ صَغَائِرُ الذُّنُوبِ، وَمِنْ أَوْضَحِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ الْآيَةَ [4 \ 31] . فَدَلَّتْ عَلَى أَنَّ اجْتِنَابَ الْكَبَائِرِ سَبَبٌ لِغُفْرَانِ الصَّغَائِرِ، وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ.

وَيَدُلُّ لِهَذَا حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الثَّابِتُ فِي الصَّحِيحِ قَالَ: مَا رَأَيْتُ شَيْئًا أَشْبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنَ الزِّنَا، أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَزِنَا الْعَيْنِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ الْمَنْطِقُ، وَالنَّفْسُ تُمَنِّي وَتَشْتَهِي وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ» .

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالِاسْتِثْنَاءُ فِي قَوْلِهِ: (إِلَّا اللَّمَمَ) مُنْقَطِعٌ; لِأَنَّ اللَّمَمَ الَّذِي هُوَ الصَّغَائِرُ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَدْخُلُ فِي الْكَبَائِرِ وَالْفَوَاحِشِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا تَحْقِيقَ الْمَقَامِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ الْمُنْقَطِعِ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا [19 \ 62] .

وَقَالَتْ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ، قَالُوا: وَعَلَيْهِ فَمَعْنَى (إِلَّا اللَّمَمَ) إِلَّا أَنْ يَلُمَّ بِفَاحِشَةٍ مَرَّةً، ثُمَّ يَجْتَنِبُهَا وَلَا يَعُودُ لَهَا بَعْدَ ذَلِكَ.

وَاسْتَدَلُّوا لِذَلِكَ بِقَوْلِ الرَّاجِزِ:

إِنْ تَغْفِرِ اللَّهُمَّ تَغْفِرْ جَمًّا ... وَأَيُّ عَبْدٍ لَكَ مَا أَلَمَّا

وَرَوَى هَذَا الْبَيْتَ ابْنُ جَرِيرٍ وَالتِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُمَا مَرْفُوعًا. وَفِي صِحَّتِهِ مُرْفُوعًا نَظَرٌ.ُُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015