22

قَوْلُهُ تَعَالَى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْجَحِيمِ. الْمُرَادُ بِـ: الَّذِينَ ظَلَمُوا الْكُفَّارُ، كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ: وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ.

وَقَدْ قَدَّمْنَا إِطْلَاقَ الظُّلْمِ عَلَى الشِّرْكِ فِي آيَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ [31 \ 13] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ [2 \ 254] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ [10 \ 106] .

وَقَدْ ثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ فَسَّرَ الظُّلْمَ بِالشِّرْكِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ [6 \ 82] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَزْوَاجَهُمْ، جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ: عُمَرُ وَابْنُ عَبَّاسٍ، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَشْبَاهُهُمْ وَنُظَرَاؤُهُمْ، فَعَابِدُ الْوَثَنِ مَعَ عَابِدِ الْوَثَنِ، وَالسَّارِقُ مَعَ السَّارِقِ، وَالزَّانِي مَعَ الزَّانِي، وَالْيَهُودِيُّ مَعَ الْيَهُودِيِّ، وَالنَّصْرَانِيُّ مَعَ النَّصْرَانِيِّ، وَهَكَذَا وَإِطْلَاقُ الْأَزْوَاجِ عَلَى الْأَصْنَافِ مَشْهُورٌ فِي الْقُرْآنِ، وَفِي كَلَامِ الْعَرَبِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا الْآيَةَ [43 \ 12] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لَا يَعْلَمُونَ [36 \ 36] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْ نَبَاتٍ شَتَّى الْآيَةَ [20 \ 53] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ [15 \ 88] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

فَقَوْلُهُ تَعَالَى: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ، أَيِ: اجْمَعُوا الظَّالِمِينَ وَأَشْبَاهَهُمْ وَنُظَرَاءَهُمْ، فَاهْدُوهُمْ إِلَى النَّارِ لِيَدْخُلَهَا جَمِيعُهُمْ، وَبِذَلِكَ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: الْمُرَادُ بِـ أَزْوَاجَهُمْ نِسَاؤُهُمُ اللَّاتِي عَلَى دِينِهِمْ، خِلَافَ الصَّوَابِ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَيِ: احْشَرُوا مَعَ الْكُفَّارِ الشُّرَكَاءَ الَّتِي كَانُوا يَعْبُدُونَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ لِيَدْخُلَ الْعَابِدُونَ وَالْمَعْبُودَاتُ جَمِيعًا النَّارَ ; كَمَا أَوْضَحَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَهَا وَارِدُونَ لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ [21 \ 98 - 99] . وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّ الَّذِينَ عَبَدُوا مَنْ دُونِ اللَّهِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالْمَلَائِكَةِ، وَالصَّالِحِينَ ; كَعِيسَى وَعُزَيْرٍ خَارِجُونَ عَنْ هَذَا، وَذَلِكَ فِي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015