وَمِنْهَا أَنَّ تَحْرِيمَ الْأَمَةِ تَحْرِيمٌ لِمُبَاحٍ مِنْ مَالِهِ، فَكَانَتْ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ كَتَحْرِيمِ سَائِرِ مَالِهِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ: بِأَنَّ تَحْرِيمَ الْمَالِ فِيهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ «الْحَجِّ» .

قَالُوا: وَمِنْهَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَرَّمَ جَارِيَتَهُ مَارِيَةَ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ ظِهَارٌ بَلْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي تَحْرِيمِهِ إِيَّاهَا: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ [66 \ 1] ، ثُمَّ قَالَ: قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ الْآيَةَ [66 \ 2] .

وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِصِحَّةِ الظِّهَارِ مِنَ الْأَمَةِ، بِدُخُولِهَا فِي عُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ، قَالُوا: وَإِمَاؤُهُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ ; لِأَنَّ تَمَتُّعَهُمْ بِإِمَائِهِمْ مِنْ تَمَتُّعِهِمْ بِنِسَائِهِمْ، قَالُوا: وَلِأَنَّ الْأَمَةَ يُبَاحُ وَطْؤُهَا، كَالزَّوْجَةِ فَصَحَّ الظِّهَارُ مِنْهَا كَالزَّوْجَةِ، قَالُوا: وَقَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ، نَزَلَتْ فِي تَحْرِيمِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شُرْبَ الْعَسَلِ فِي الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ، لَا فِي تَحْرِيمِ الْجَارِيَةِ.

وَحُجَّةُ الْحَسَنِ وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَحُجَّةُ عَطَاءٍ كِلْتَاهُمَا وَاضِحَةٌ، كَمَا تَقَدَّمَ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ الْمَالِكِيُّ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: بِصِحَّةِ الظِّهَارِ مِنَ الْأَمَةِ، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ عَسِيرَةٌ عَلَيْنَا ; لِأَنَّ مَالِكًا يَقُولُ: إِذَا قَالَ لِأَمَتِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ لَا يَلْزَمُ، فَكَيْفَ يَبْطُلُ فِيهَا صَرِيحُ التَّحْرِيمِ وَتَصِحُّ كِنَايَتُهُ؟ وَلَكِنْ تَدْخُلُ الْأَمَةُ فِي عُمُومِ قَوْلِهِ: مِنْ نِسَائِهِمْ ; لِأَنَّهُ أَرَادَ مِنْ مُحَلَّلَاتِهِمْ.

وَالْمَعْنَى فِيهِ: أَنَّهُ لَفْظٌ يَتَعَلَّقُ بِالْبِضْعِ دُونَ رَفْعِ الْعِقْدِ، فَصَحَّ فِي الْأَمَةِ أَصْلُهُ الْحَلِفُ بِاللَّهِ تَعَالَى، اهـ مِنْهُ، بِوَاسِطَةِ نَقْلِ الْقُرْطُبِيِّ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: لَا يَبْعُدُ بِمُقْتَضَى الصِّنَاعَةِ الْأُصُولِيَّةِ، وَالْمُقَرَّرِ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ: أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ فَرْقٌ بَيْنَ تَحْرِيمِ الْأَمَةِ وَتَحْرِيمِ الزَّوْجَةِ.

وَإِيضَاحُ ذَلِكَ: أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ، جَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ فِي السُّنَنِ وَغَيْرِهَا، أَنَّهُ نَزَلَ فِي تَحْرِيمِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَارِيَتَهُ مَارِيَةَ أُمَّ إِبْرَاهِيمَ، وَإِنْ كَانَ جَاءَ فِي الرِّوَايَاتِ الثَّابِتَةِ فِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ نَزَلَ فِي تَحْرِيمِهِ الْعَسَلَ الَّذِي كَانَ شَرِبَهُ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، وَقِصَّةُ ذَلِكَ مَشْهُورَةٌ صَحِيحَةٌ ; لِأَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي عُلُومِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ إِذَا ثَبَتَ نُزُولُ الْآيَةِ فِي شَيْءٍ مُعَيَّنٍ، ثُمَّ ثَبَتَ بِسَنَدٍ آخَرَ صَحِيحٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي شَيْءٍ آخَرَ مُعَيَّنٍ غَيْرِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015