إِشْكَالَ كَمَا تَقَدَّمَ. وَمَا حَكَاهُ الْحَافِظُ ابْنُ كَثِيرٍ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ مَالِكٍ، مِنْ أَنَّهُ حَكَى عَنْهُ أَنَّ الْعَوْدَ الْجِمَاعُ، فَهُوَ خِلَافُ الْمَعْرُوفِ مِنْ مَذْهَبِهِ، وَكَذَلِكَ مَا حَكَاهُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِنْ أَنَّ الْعَوْدَ هُوَ الْعَوْدُ إِلَى الظِّهَارِ بَعْدَ تَحْرِيمِهِ وَرَفْعِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَمْرُ الْجَاهِلِيَّةِ، فَهُوَ خِلَافُ الْمُقَرَّرِ فِي فُرُوعِ الْحَنَفِيَّةِ مِنْ أَنَّهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ ; كَمَا ذَكَرْنَا. وَغَالِبُ مَا قِيلَ فِي مَعْنَى الْعَوْدِ رَاجِعٌ إِلَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ أَقْوَالِ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمُ اللَّهُ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِالْعُودِ الرُّجُوعُ إِلَى الِاسْتِمْتَاعِ بِغَيْرِ الْجِمَاعِ، وَالْمُرَادُ بِالْمَسِيسِ فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، خُصُوصُ الْجِمَاعِ وَعَلَيْهِ فَلَا إِشْكَالَ، وَلَا يَخْفَى عَدَمُ ظُهُورِ هَذَا الْقَوْلِ.
وَالتَّحْقِيقُ: عَدَمُ جَوَازِ الِاسْتِمْتَاعِ بِوَطْءٍ أَوْ غَيْرِهِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ، لِعُمُومِ قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، وَأَجَازَ بَعْضُهُمُ الِاسْتِمْتَاعَ بِغَيْرِ الْوَطْءِ، قَائِلًا: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسِيسِ فِي قَوْلِهِ: مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا، نَفْسُ الْجِمَاعِ لَا مُقَدِّمَاتُهُ، وَمِمَّنْ قَالَ بِذَلِكَ: الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَرُوِيَ عَنِ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
وَقَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: اللَّامُ فِي قَوْلِهِ: لِمَا قَالُوا، بِمَعْنَى: فِي، أَيْ: يَعُودُونَ فِيمَا قَالُوا بِمَعْنَى يَرْجِعُونَ فِيهِ ; كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الْوَاهِبُ الْعَائِدُ فِي هِبَتِهِ» الْحَدِيثَ، وَقِيلَ: اللَّامُ بِمَعْنَى: عَنْ، أَيْ: يَعُودُونَ عَمَّا قَالُوا، أَيْ: يَرْجِعُونَ عَنْهُ، وَهُوَ قَرِيبٌ مِمَّا قَبِلَهُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ: الَّذِي يَظْهَرُ لِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ: أَنَّ الْعَوْدَ لَهُ مَبْدَأٌ وَمُنْتَهَى، فَمَبْدَؤُهُ الْعَزْمُ عَلَى الْوَطْءِ وَمُنْتَهَاهُ الْوَطْءُ بِالْفِعْلِ، فَمَنْ عَزَمَ عَلَى الْوَطْءِ فَقَدْ عَادَ بِالنِّيَّةِ، فَتَلْزَمُهُ الْكَفَّارَةُ لِإِبَاحَةِ الْوَطْءِ، وَمَنْ وَطَءَ بِالْفِعْلِ تَحَتَّمَ فِي حَقِّهِ اللُّزُومُ، وَخَالَفَ بِالْإِقْدَامِ عَلَى الْوَطْءِ قَبْلَ التَّكْفِيرِ.
وَيَدُلُّ لِهَذَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمَّا قَالَ: «إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ» ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ عَرَفْنَا الْقَاتِلَ، بِمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ» ، فَبَيَّنَ أَنَّ الْعَزْمَ عَلَى الْفِعْلِ عَمَلٌ يُؤَاخَذُ بِهِ الْإِنْسَانُ.
فَإِنْ قِيلَ: ظَاهِرُ الْآيَةِ الْمُتَبَادَرُ مِنْهَا يُوَافِقُ قَوْلَ الظَّاهِرِيَّةِ، الَّذِي قَدَّمْنَا بُطْلَانَهُ ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ الْمُتَبَادِرَ مِنْ قَوْلِهِ: لِمَا قَالُوا، أَنَّهُ صِيغَةُ الظِّهَارِ، فَيَكُونُ الْعَوْدُ لَهَا تَكْرِيرَهَا مَرَّةً أُخْرَى.