تُخْتَبَرُونَ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: تُعَذَّبُونَ ; كَقَوْلِهِ: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [51 \ 13] وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ أَصْلَ الْفِتْنَةِ فِي اللُّغَةِ، وَضْعُ الذَّهَبِ فِي النَّارِ لِيُخْتَبَرَ بِالسَّبْكِ أَزَائِفٌ هُوَ أَمْ خَالِصٌ؟ وَأَنَّهَا أُطْلِقَتْ فِي الْقُرْآنِ عَلَى أَرْبَعَةِ مَعَانٍ: الْأَوَّلُ: إِطْلَاقُهَا عَلَى الْإِحْرَاقِ بِالنَّارِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [51 \ 13] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ [85 \ 10] أَيْ: حَرَّقُوهُمْ بِنَارِ الْأُخْدُودِ عَلَى أَحَدِ التَّفْسِيرَيْنِ، وَقَدِ اخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ. .

الْمَعْنَى الثَّانِي: إِطْلَاقُ الْفِتْنَةِ عَلَى الِاخْتِبَارِ، وَهَذَا هُوَ أَكْثَرُهَا اسْتِعْمَالًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [21 \ 35] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [72 \ 16 - 17] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ.

الثَّالِثُ: إِطْلَاقُ الْفِتْنَةِ عَلَى نَتِيجَةِ الِاخْتِبَارِ إِنْ كَانَتْ سَيِّئَةً خَاصَّةً، وَمِنْ هُنَا أُطْلِقَتِ الْفِتْنَةُ عَلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [2 \ 193] أَيْ: لَا يَبْقَى شِرْكٌ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ الصَّحِيحُ، دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.

أَمَّا الْكِتَابُ، فَقَدْ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ بَعْدَهُ فِي «الْبَقَرَةِ» : وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [2 \ 193] وَفِي «الْأَنْفَالِ» : وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [8 \ 39] فَإِنَّهُ يُوَضِّحُ أَنَّ مَعْنَى: لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، أَيْ: لَا يَبْقَى شِرْكٌ ; لِأَنَّ الدِّينَ لَا يَكُونُ كُلُّهُ لِلَّهِ، مَا دَامَ فِي الْأَرْضِ شِرْكٌ، كَمَا تَرَى.

وَأَمَّا السُّنَّةُ: فَفِي قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، الْحَدِيثَ. فَقَدْ جَعَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا قِتَالُهُ لِلنَّاسِ، هِيَ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَهُوَ وَاضِحٌ فِي أَنَّ مَعْنَى: لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ: لَا يَبْقَى شِرْكٌ، فَالْآيَةُ وَالْحَدِيثُ كِلَاهُمَا دَالٌّ عَلَى أَنَّ الْغَايَةَ الَّتِي يَنْتَهِي إِلَيْهَا قِتَالُ الْكُفَّارِ هِيَ أَلَّا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ شِرْكٌ، إِلَّا أَنَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَةِ عَبَّرَ عَنْ هَذَا الْمَعْنَى بِقَوْلِهِ: حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ، وَقَدْ عَبَّرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ بِقَوْلِهِ: «حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» ، فَالْغَايَةُ فِي الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ وَاحِدَةٌ فِي الْمَعْنَى، كَمَا تَرَى.

الرَّابِعُ: هُوَ إِطْلَاقُ الْفِتْنَةِ عَلَى الْحُجَّةِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015