قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى عَلَيْهِ وَعَلَى نَبِيِّنَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: إِنَّى أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ، أَيْ: بِسَبَبِ أَنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا، وَفَرَرْتُ مِنْهُمْ لَمَّا خِفْتُ أَنْ يَقْتُلُونِي بِالْقَتِيلِ الَّذِي قَتَلْتُهُ مِنْهُمْ، وَيُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى التَّرْتِيبُ بِالْفَاءِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [28 \ 33] ; لِأَنَّ مَنْ يَخَافُ الْقَتْلَ فَهُوَ يَتَوَقَّعُ التَّكْذِيبَ، وَقَوْلُهُ: وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي، أَيْ: مِنْ أَجْلِ الْعُقْدَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ مُوسَى: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي [20 \ 27 - 28] قَدَّمْنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى آيَةِ «طَهَ» ، هَذِهِ بَعْضَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْمَبْحَثِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ (13) .
قَدْ قَدَّمْنَا الْآيَاتِ الْمُوَضِّحَةَ لَهُ فِي سُورَةِ «مَرْيَمَ» ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا [19 \ 53] .
قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ مُوسَى: وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ (14) . لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذَا الذَّنْبَ الَّذِي لَهُمْ عَلَيْهِ الَّذِي يَخَافُ مِنْهُمْ أَنْ يَقْتُلُوهُ بِسَبَبِهِ، وَقَدْ بَيَّنَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الذَّنْبَ الْمَذْكُورَ هُوَ قَتْلُهُ لِصَاحِبِهِمُ الْغَبْطِيِّ، فَقَدْ صَرَّحَ تَعَالَى بِالْقَتْلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ إِنِّي قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ [28 \ 33] فَقَوْلُهُ: قَتَلْتُ مِنْهُمْ نَفْسًا مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ: وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ [26 \ 14] وَلِذَا رَتَّبَ بِالْفَاءِ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا. قَوْلُهُ: فَأَخَافُ أَنْ يَقْتُلُونِ، وَقَدْ أَوْضَحَ تَعَالَى قِصَّةَ قَتْلِ مُوسَى لَهُ بِقَوْلِهِ فِي «الْقَصَصِ» : وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ [28 \ 15] وَقَوْلُهُ: فَقَضَى عَلَيْهِ، أَيْ: قَتَلَهُ، وَذَلِكَ هُوَ الذَّنْبُ الْمَذْكُورُ فِي آيَةِ «الشُّعَرَاءِ» هَذِهِ.
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى أَنَّهُ غَفَرَ لِنَبِيِّهِ مُوسَى ذَلِكَ الذَّنْبَ الْمَذْكُورَ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ الْآيَةَ [28 \ 16] .
قَوْلُهُ تَعَالَى: قَالَ كَلَّا فَاذْهَبَا بِآيَاتِنَا إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ. صِيغَةُ الْجَمْعِ فِي قَوْلِهِ: إِنَّا مَعَكُمْ مُسْتَمِعُونَ، لِلتَّعْظِيمِ، وَمَا ذَكَرَهُ جَلَّ وَعَلَا فِي