الْعِلْمِ: هِيَ اسْتِفْهَامِيَّةٌ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هِيَ نَافِيَةٌ وَكِلَاهُمَا لَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ.
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ، أَيْ: دُعَاؤُكُمْ إِيَّايَ لِأَغْفِرَ لَكُمْ، وَأُعْطِيَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ، رَاجِعٌ إِلَى الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ; لِأَنَّ دُعَاءَ الْمَسْأَلَةِ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ، كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ. وَقَوْلُهُ: فَقَدْ كَذَّبْتُمْ، أَيْ: بِمَا جَاءَكُمْ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا [25 \ 65] أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا، أَيْ: سَوْفَ يَكُونُ الْعَذَابُ مُلَازِمًا لَهُمْ غَيْرَ مُفَارِقٍ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَذَابِ اللَّازِمِ لَهُمُ الْمُعَبَّرِ عَنْ لُزُومِهِ لَهُمْ، بِقَوْلِهِ: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا، أَنَّهُ مَا وَقَعَ مِنَ الْعَذَابِ يَوْمَ بَدْرٍ، لِأَنَّهُمْ قُتِلَ مِنْهُمْ سَبْعُونَ وَأُسِرَ سَبْعُونَ، وَالَّذِينَ قُتِلُوا مِنْهُمْ أَصَابَهُمْ عَذَابُ الْقَتْلِ، وَاتَّصَلَ بِهِ عَذَابُ الْبَرْزَخِ وَالْآخِرَةِ فَهُوَ مُلَازِمٌ لَا يُفَارِقُهُمْ بِحَالٍ، وَكَوْنُ اللِّزَامِ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْعَذَابَ الْوَاقِعَ يَوْمَ بَدْرٍ، نَقَلَهُ ابْنُ كَثِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، وَأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، وَمُجَاهِدٍ، وَالضَّحَّاكِ، وَقَتَادَةَ، وَالسُّدِّيِّ، وَغَيْرِهِمْ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا، أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا، انْتَهَى مِنِ ابْنِ كَثِيرٍ، وَنَقَلَهُ صَاحِبُ «الدُّرِّ الْمَنْثُورِ» عَنْ أَكْثَرِ الْمَذْكُورِينَ وَغَيْرِهِمْ.
وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ: إِنَّ يَوْمَ بَدْرٍ ذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي آيَاتٍ مِنْ كِتَابِهِ، قَالُوا هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى [32 \ 21] أَيْ: يَوْمَ بَدْرٍ، دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ [32 \ 21] أَيْ: يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَامًا، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُرَادُ بِالْبَطْشِ وَالِانْتِقَامِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ [44 \ 16] وَأَنَّهُ هُوَ الْفُرْقَانُ الْفَارِقُ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: إِنْ كُنْتُمْ آمَنْتُمْ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ [8 \ 41] وَهُوَ يَوْمُ بَدْرٍ، وَأَنَّهُ هُوَ الَّذِي فِيهِ النَّصْرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ الْآيَةَ [3 \ 123] وَكَوْنُ الْمُرَادِ بِهَذِهِ الْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ يَوْمَ بَدْرٍ ثَبَتَ بَعْضُهُ فِي الصَّحِيحِ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِ الشَّيْخِ أَحْمَدَ الْبَدَوِيِّ الشِّنْقِيطِيِّ فِي نَظْمِهِ لِلْمَغَازِي فِي الْكَلَامِ عَلَى بَدْرٍ، وَقَدْ أَتَى مُنَوَّهًا فِي الذِّكْرِ: