وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكْذِيبَ بِالسَّاعَةِ كُفْرٌ مُسْتَوْجِبٌ لِنَارِ جَهَنَّمَ، كَمَا سَتَرَى الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى ذَلِكَ قَرِيبًا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَهَذَانِ الْأَمْرَانِ الْمَذْكُورَانِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَهُمَا تَكْذِيبُهُمْ بِالسَّاعَةِ، وَوَعِيدُ اللَّهِ لِمَنْ كَذَّبَ بِهَا بِالسَّعِيرِ جَاءَا مُوَضَّحَيْنِ فِي آيَاتٍ أُخَرَ، أَمَّا تَكْذِيبُهُمْ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ لِإِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ وَالْجَزَاءَ بَعْدَ الْمَوْتِ، فَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ عَنْ طَوَائِفِ الْكُفَّارِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّ هَؤُلَاءِ لَيَقُولُونَ إِنْ هِيَ إِلَّا مَوْتَتُنَا الْأُولَى وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ [44 \ 34 - 35] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [36 \ 78] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَأَمَّا كُفْرُ مَنْ كَذَّبَ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ وَوَعِيدِهِ بِالنَّارِ، فَقَدْ جَاءَ فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ [45 \ 32] إِلَى قَوْلِهِ: وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ نَاصِرِينَ [45 \ 34] فَقَوْلُهُ: وَمَأْوَاكُمُ النَّارُ بَعْدَ قَوْلِهِ: قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ الْآيَةَ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُمْ: مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ هُوَ سَبَبُ كَوْنِ النَّارِ مَأْوَاهُمْ، وَقَوْلُهُ بَعْدَهُ ذَلِكُمْ بِأَنَّكُمُ اتَّخَذْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا [45 \ 35] لَا يُنَافِي ذَلِكَ؛ لِأَنَّ مِنِ اتِّخَاذِهِمْ آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا تَكْذِيبَهُمْ بِالسَّاعَةِ، وَإِنْكَارَهُمُ الْبَعْثَ كَمَا لَا يَخْفَى، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [13 \ 15] فَقَدْ بَيَّنَ جَلَّ وَعَلَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ مِنْ سُورَةِ الرَّعْدِ أَنَّ إِنْكَارَهُمُ الْبَعْثَ الَّذِي عَبَّرُوا عَنْهُ بِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْهُمْ: أَئِذَا كُنَّا تُرَابًا أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ جَامِعٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ: الْأَوَّلُ مِنْهُمَا: أَنَّهُ عَجَبٌ مِنَ الْعَجَبِ لِكَثْرَةِ الْبَرَاهِينِ الْقَطْعِيَّةِ الْوَاضِحَةِ الدَّالَّةِ عَلَى مَا أَنْكَرُوهُ.

وَالثَّانِي مِنْهُمَا: وَهُوَ مَحَلُّ الشَّاهِدِ مِنَ الْآيَةِ، أَنَّ إِنْكَارَهُمُ الْبَعْثَ الْمَذْكُورَ كُفْرٌ مُسْتَوْجِبٌ لِلنَّارِ وَأَغْلَالِهَا وَالْخُلُودِ فِيهَا، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى مُشِيرًا إِلَى الَّذِينَ أَنْكَرُوا الْبَعْثَ أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [13 \ 5] وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِنْكَارَ الْبَعْثِ إِنْكَارٌ لِلسَّاعَةِ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015