كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ [6 \ 101 - 102] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ كَذَلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كَانُوا بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ [40 \ 62 - 63] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَأَمَّا الْأَمْرُ الْخَامِسُ: وَهُوَ أَنَّهُ قَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ تَقْدِيرًا، فَقَدْ جَاءَ أَيْضًا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [87 \ 2 - 3] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ [13 \ 8] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ [54 \ 49] إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ. وَقَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: تَقْدِيرُ الْأَشْيَاءِ هُوَ حَدُّهَا بِالْأَمْكِنَةِ، وَالْأَزْمَانِ، وَالْمَقَادِيرِ، وَالْمَصْلَحَةِ، وَالْإِتْقَانِ، انْتَهَى بِوَاسِطَةِ نَقْلِ أَبِي حَيَّانَ فِي «الْبَحْرِ» .
تَنْبِيهٌ.
فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ سُؤَالٌ مَعْرُوفٌ، وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: الْخَلْقُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ، مَعْنَاهُ التَّقْدِيرُ. وَمِنْهُ قَوْلُ زُهَيْرٍ:
وَلَأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ وَبَعْـ ... ـضُ الْقَوْمِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي
قَالَ بَعْضُهُمْ: وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ [23 \ 14] قَالَ: أَيْ أَحْسَنُ الْمُقَدِّرِينَ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَعْنَى الْآيَةِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ، أَيْ: قَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا، وَهَذَا تَكْرَارٌ كَمَا تَرَى، وَقَدْ أَجَابَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ، وَذَكَرَ أَبُو حَيَّانَ جَوَابَهُ فِي «الْبَحْرِ» ، وَلَمْ يَتَعَقَّبْهُ.
وَالْجَوَابُ الْمَذْكُورُ هُوَ قَوْلُهُ: فَإِنْ قُلْتَ فِي الْخَلْقِ مَعْنَى التَّقْدِيرِ، فَمَا مَعْنَى قَوْلِهِ: وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا [25 \ 2] كَأَنَّهُ قَالَ: وَقَدَّرَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ.
قُلْتُ: الْمَعْنَى أَنَّهُ أَحْدَثَ كُلَّ شَيْءٍ إِحْدَاثًا مُرَاعِيًا فِيهِ التَّقْدِيرَ وَالتَّسْوِيَةَ فَقَدَّرَهُ وَهَيَّأَهُ لِمَا يَصْلُحُ لَهُ.
مِثَالُهُ: أَنَّهُ خَلَقَ الْإِنْسَانَ عَلَى هَذَا الشَّكْلِ الْمُقَدَّرِ الْمُسَوَّى، الَّذِي تَرَاهُ فَقَدَّرَهُ لِلتَّكَالِيفِ وَالْمَصَالِحِ الْمَنُوطَةِ بِهِ فِي بَابَيِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَكَذَلِكَ كَلُّ حَيَوَانٍ وَجَمَادٍ جَاءَ بِهِ عَلَى الْحِيلَةِ الْمُسْتَوِيَةِ الْمُقَدَّرَةِ بِأَمْثِلَةِ الْحِكْمَةِ وَالتَّدْبِيرِ، فَقَدَّرَهُ لِأَمْرٍ مَا وَمَصْلَحَةٍ مُطَابِقًا لِمَا قَدَّرَ لَهُ غَيْرَ