أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ أَنْ يَسْبِقُونَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [29 \ 4] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ [10 \ 53] ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ الْآيَةَ [29 \ 21 - 22] ، وَقَوْلِهِ فِي «الشُّورَى» : وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ [42 \ 31] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.
وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا [24 \ 57] ، قَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ: لَا يَحْسَبَنَّ بِالْيَاءِ الْمُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ عَلَى الْغَيْبَةِ، وَقَرَأَهُ بَاقِي السَّبْعَةِ: لَا تَحْسَبَنَّ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، وَقَرَأَ ابْنُ عَامِرٍ، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ بِفَتْحِ السِّينِ، وَبَاقِي السَّبْعَةِ بِكَسْرِهَا.
وَالْحَاصِلُ أَنَّ قِرَاءَةَ ابْنِ عَامِرٍ وَحَمْزَةَ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ، وَقِرَاءَةَ عَاصِمٍ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَفَتْحِ السِّينِ، وَقِرَاءَةَ الْبَاقِينَ مِنَ السَّبْعَةِ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ وَكَسْرِ السِّينِ، وَعَلَى قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ فَلَا إِشْكَالَ فِي الْآيَةِ مَعَ فَتْحِ السِّينِ وَكَسْرِهَا ; لِأَنَّ الْخِطَابَ بِقَوْلِهِ: لَا تَحْسَبَنَّ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ: الَّذِينَ كَفَرُوا هُوَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ، وَقَوْلُهُ: مُعَجِزِينَ هُوَ الْمَفْعُولُ الثَّانِي لِـ: تَحْسَبَنَّ وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ: وَلَا يَحْسَبَنَّ بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ، فَفِي الْآيَةِ إِشْكَالٌ مَعْرُوفٌ، وَذَكَرَ الْقُرْطُبِيُّ الْجَوَابَ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ قَوْلَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مَحَلِّ رَفْعِ فَاعِلِ يَحْسَبَنَّ وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ مَحْذُوفٌ، تَقْدِيرُهُ: أَنْفُسُهُمْ، وَمُعَجِزِينَ مَفْعُولٌ ثَانٍ، أَيْ: لَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْفُسَهُمْ مُعْجِزِينَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ، وَعَزَا هَذَا الْقَوْلَ لِلزَّجَّاجِ، وَالْمَفْعُولُ الْمَحْذُوفُ قَدْ تَدُلُّ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ بِالتَّاءِ الْفَوْقِيَّةِ، كَمَا لَا يَخْفَى، وَمَفْعُولَا الْفِعْلِ الْقَلْبِيِّ يَجُوزُ حَذْفُهُمَا أَوْ حَذْفُ أَحَدِهِمَا إِنْ قَامَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ ; كَمَا أَشَارَ لَهُ ابْنُ مَالِكٍ فِي «الْخُلَاصَةِ» ، بِقَوْلِهِ:
وَلَا تُجِزْ هُنَا بِلَا دَلِيلِ
سُقُوطَ مَفْعُولَيْنِ أَوْ مَفْعُولِ
وَمِثَالُ حَذْفِ الْمَفْعُولَيْنِ مَعًا مَعَ قِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِمَا، قَوْلُهُ تَعَالَى: أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ [28 \ 62] أَيْ: تَزْعُمُونَهُمْ شُرَكَائِي، وَقَوْلُ الْكُمَيْتِ:
بِأَيِّ كِتَابٍ أَمْ بِأَيَّةِ سُنَّةٍ
تَرَى حُبَّهُمْ عَارًا عَلَيَّ وَتَحْسَبُ