نَجَوْتَ بِقَوْفِ نَفْسِكَ غَيْرَ أَنِّي ... إِخَالُ بِأَنْ سَيَيْتِمُ أَوْ تَئِيمُ
يَعْنِي: يَيْتِمُ ابْنُكَ وَتَئِيمُ امْرَأَتُكَ.
فَإِذَا عَلِمْتَ هَذَا، فَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ: وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى شَامِلٌ لِلذُّكُورِ وَالْإِنَاثِ، وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: مِنْكُمْ أَيْ: مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَيُفْهَمُ مِنْ دَلِيلِ الْخِطَابِ أَيْ مَفْهُومِ الْمُخَالَفَةِ فِي قَوْلِهِ: مِنْكُمْ أَنَّ الْأَيَامَى مِنْ غَيْرِكُمْ، أَيْ: مِنْ غَيْرِ الْمُسْلِمِينَ، وَهُمُ الْكُفَّارُ لَيْسُوا كَذَلِكَ.
وَهَذَا الْمَفْهُومُ الَّذِي فُهِمَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي آيَاتٍ أُخَرَ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي أَيَامَى الْكُفَّارِ الذُّكُورِ: وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا [2 \ 221] ، وَقَوْلُهُ فِي أَيَامَاهُمُ الْإِنَاثِ: وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ [2 \ 221] ، وَقَوْلُهُ فِيهِمَا جَمِيعًا: فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ [60 \ 10] .
وَبِهَذِهِ النُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ الصَّرِيحَةِ الْمُوَضِّحَةِ لِمَفْهُومِ هَذِهِ الْآيَةِ، تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُسْلِمَةِ لِلْكَافِرِ مُطْلَقًا وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الْمُسْلِمِ لِلْكَافِرَةِ إِلَّا أَنَّ عُمُومَ هَذِهِ الْآيَاتِ خَصَّصَتْهُ آيَةُ «الْمَائِدَةِ» ، فَأَبَانَتْ أَنَّ الْمُسْلِمَ يَجُوزُ لَهُ تَزَوُّجُ الْمُحْصَنَةِ الْكِتَابِيَّةِ خَاصَّةً ; وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [5 \ 5] ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى عَاطِفًا عَلَى مَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ: وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ صَرِيحٌ فِي إِبَاحَةِ تَزْوِيجِ الْمُسْلِمِ لِلْمُحْصَنَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا الْحُرَّةُ الْعَفِيفَةُ.
فَالْحَاصِلُ أَنَّ التَّزْوِيجَ بَيْنَ الْكُفَّارِ وَالْمُسْلِمِينَ مَمْنُوعٌ فِي جَمِيعِ الصُّوَرِ، إِلَّا صُورَةً وَاحِدَةً، وَهِيَ تُزَوُّجُ الرَّجُلِ الْمُسْلِمِ بِالْمَرْأَةِ الْمُحْصَنَةِ الْكِتَابِيَّةِ، وَالنُّصُوصُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ قُرْآنِيَّةٌ، كَمَا رَأَيْتَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ يَدُلُّ عَلَى لُزُومِ تَزْوِيجِ الْأَيَامَى مِنَ الْمَمْلُوكِينَ الصَّالِحِينَ، وَالْإِمَاءِ الْمَمْلُوكَاتِ، وَظَاهِرُ هَذَا الْأَمْرِ الْوُجُوبُ ; لِمَا تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ.