وَمَا نَحْنُ بِمُنْشَرِينَ [44 \ 35] وَقَوْلِهِ عَنْهُمْ: أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا نَخِرَةً قَالُوا تِلْكَ إِذًا كَرَّةٌ خَاسِرَةٌ [79 \ 11 - 12] ، وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا فِي إِنْكَارِهِمُ الْبَعْثَ كَثِيرَةٌ: وَقَدْ بَيَّنَّا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ الْآيَةَ [2 \ 21] ، وَفِي أَوَّلِ سُورَةِ النَّحْلِ، وَغَيْرِهِمَا الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَوْرَدْنَا مِنْهَا كَثِيرًا كَقَوْلِهِ: قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ الْآيَةَ [36 \ 79] ، وَقَوْلِهِ: وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ [30 \ 27] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ الْآيَاتِ [22 \ 5] ، وَأَوْضَحْنَا أَرْبَعَةَ بَرَاهِينَ قُرْآنِيَّةٍ دَالَّةٍ عَلَى الْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَأَكْثَرْنَا مِنْ ذِكْرِ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى ذَلِكَ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنِ التَّطْوِيلِ هُنَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَئِذَا مِتْنَا قَرَأَ نَافِعٌ وَالْكِسَائِيُّ، بِالِاسْتِفْهَامِ فِي: أَئِذَا مِتْنَا، وَحَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ، فِي أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ، بَلْ قَرَأَ إِنَّا لَمَبْعُوثُونَ بِصِيغَةِ الْخَبَرِ لِدَلَالَةِ الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ، عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الثَّانِي الْمَحْذُوفِ وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ بِالْعَكْسِ، فَحَذَفَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ، مِنْ أَئِذَا، وَقَرَأَ إِذَا بِدُونِ اسْتِفْهَامٍ، وَأَثْبَتَ هَمْزَةَ الِاسْتِفْهَامِ فِي قَوْلِهِ: أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ وَقَدْ دَلَّ الِاسْتِفْهَامُ الثَّانِي الْمُثْبَتُ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ عَامِرٍ، عَلَى الِاسْتِفْهَامِ الْأَوَّلِ الْمَحْذُوفِ فِيهَا، وَقَرَأَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَأَبُو عَمْرٍو، وَعَاصِمٌ، وَحَمْزَةُ بِالِاسْتِفْهَامِ فِيهِمَا مَعًا: أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ وَهُمْ عَلَى أُصُولِهِمْ فِي الْهَمْزَتَيْنِ، فَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَأَبُو عَمْرٍو يُسَهِّلُونَ الثَّانِيَةَ، وَالْبَاقُونَ يُحَقِّقُونَهَا، وَأَدْخَلَ قَالُونُ، وَأَبُو عَمْرٍو وَهِشَامٌ عَنِ ابْنِ عَامِرٍ أَلِفًا بَيْنَ الْهَمْزَتَيْنِ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْقَصْرِ دُونَ الْأَلِفِ، وَقَرَأَ نَافِعٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ وَحَفْصٌ، عَنْ عَاصِمٍ: مِتْنَا بِكَسْرِ الْمِيمِ، وَالْبَاقُونَ: بِضَمِّ الْمِيمِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ مَرْيَمَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: قَالَتْ يَالَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا الْآيَةَ [19 \ 23] وَجْهَ كَسْرِ الْمِيمِ فِي إِسْنَادِ الْفِعْلِ الَّذِي هُوَ مَاتَ إِلَى تَاءِ الْفَاعِلِ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ يَخْفَى عَلَى كَثِيرٍ مِنْ طَلَبَةِ الْعِلْمِ، وَأَوْضَحْنَا وُجْهَةَ غَايَةٍ مَعَ بَعْضِ الشَّوَاهِدِ الْعَرَبِيَّةِ، فَأَغْنَى ذَلِكَ عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
قَوْلُهُ تَعَالَى: لَقَدْ وُعِدْنَا نَحْنُ وَآبَاؤُنَا هَذَا مِنْ قَبْلُ إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ.
ذَكَرَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّ الْكُفَّارَ الْمُنْكِرِينَ لِلْبَعْثِ قَالُوا: إِنَّهُمْ وُعِدُوا بِالْبَعْثِ، وَوُعِدَ بِهِ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلِهِمْ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُمْ يَعْنُونَ أَجْدَادَهُمْ، الَّذِينَ جَاءَتْهُمُ الرُّسُلُ، وَأَخْبَرَتْهُمْ بِأَنَّهُمْ يُبْعَثُونَ بَعْدَ الْمَوْتِ لِلْحِسَابِ وَالْجَزَاءِ، وَقَالُوا: إِنَّ الْبَعْثَ الَّذِي وُعِدُوا بِهِ