72

الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَشَرْعِهِ وَقَدَرِهِ وَتَدْبِيرِهِ لِخَلْقِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُلُوًّا كَبِيرًا.

وَمِمَّا يُوَضِّحُ أَنَّ الْحَقَّ لَوِ اتَّبَعَ الْأَهْوَاءَ الْفَاسِدَةَ الْمُخْتَلِفَةَ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ قَوْلُهُ تَعَالَى: لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا [21 \ 22] فَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ.

الْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَقِّ فِي الْآيَةِ: الْحَقُّ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الْبَاطِلِ الْمَذْكُورِ فِي قَوْلِهِ قَبْلَهُ: وَأَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ [23 \ 70] وَهَذَا الْقَوْلُ الْأَخِيرُ اخْتَارَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ، وَأَنْكَرَ الْأَوَّلَ.

وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَالْمَعْنَى: أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ كَوْنَ الْحَقِّ مُتَّبِعًا لِأَهْوَائِهِمْ، الَّتِي هِيَ الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَادِّعَاءُ الْأَوْلَادِ، وَالْأَنْدَادِ لَهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ لَفَسَدَ كُلُّ شَيْءٍ ; لِأَنَّ هَذَا الْفَرْضَ يَصِيرُ بِهِ الْحَقُّ، هُوَ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَقُومَ نِظَامُ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ عَلَى شَيْءٍ، هُوَ أَبْطَلُ الْبَاطِلِ ; لِأَنَّ اسْتِقَامَةَ نِظَامِ هَذَا الْعَالَمِ لَا تُمْكِنُ إِلَّا بِقُدْرَةِ وَإِرَادَةِ إِلَهٍ هُوَ الْحَقُّ مُنْفَرِدٌ بِالتَّشْرِيعِ، وَالْأَمْرِ وَالنَّهْيِ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ، اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي الذِّكْرِ فِي الْآيَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: ذِكْرُهُمْ: فَخْرُهُمْ، وَشَرَفُهُمْ ; لِأَنَّ نُزُولَ هَذَا الْكِتَابِ عَلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ فِيهِ لَهُمْ أَكْبَرُ الْفَخْرِ وَالشَّرَفِ، وَعَلَى هَذَا، فَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ: وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ [43 \ 44] عَلَى تَفْسِيرِ الذِّكْرِ بِالْفَخْرِ وَالشَّرَفِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الذِّكْرُ فِي الْآيَةِ: الْوَعْظُ وَالتَّوْصِيَةُ، وَعَلَيْهِ فَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ: ذَلِكَ نَتْلُوهُ عَليْكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ [3 \ 58] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الذِّكْرُ هُوَ مَا كَانُوا يَتَمَنَّوْنَهُ فِي قَوْلِهِ: لَوْ أَنَّ عِنْدَنَا ذِكْرًا مِنَ الْأَوَّلِينَ لَكُنَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ [37 \ 168 - 169] وَعَلَيْهِ، فَالْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ [35 \ 42] وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَقَوْلُهُ: فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا الْآيَةَ [35 \ 42] كَقَوْلِهِ هُنَا، فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ، وَكَقَوْلِهِ: أَوْ تَقُولُوا لَوْ أَنَّا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْكِتَابُ لَكُنَّا أَهْدَى مِنْهُمْ [6 \ 157] وَالْآيَاتُ بِمِثْلِ هَذَا عَلَى الْقَوْلِ الْأَخِيرِ كَثِيرَةٌ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015