بِذَلِكَ الِامْتِحَانِ، جَاءَ مُوَضَّحًا فِي آيَاتٍ كَثِيرَةٍ قَدَّمْنَاهَا مِرَارًا كَقَوْلِهِ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلَائِكَةً وَمَا جَعَلْنَا عِدَّتَهُمْ إِلَّا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا وَلَا يَرْتَابَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْمُؤْمِنُونَ وَلِيَقُولَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْكَافِرُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا كَذَلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ الْآيَةَ [74 \ 31] وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ الْآيَةَ [2 \ 143] وَقَوْلِهِ وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ أَيْ: لِأَنَّهَا فِتْنَةٌ، كَمَا قَالَ أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ الْآيَةَ [37 \ 62 - 64] ; لِأَنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ قَالُوا: ظَهَرَ كَذِبُ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّ الشَّجَرَ لَا يَنْبُتُ فِي الْمَوْضِعِ الْيَابِسِ، فَكَيْفَ تَنْبُتُ شَجَرَةٌ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ مِرَارًا، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَاللَّامُ فِي قَوْلِهِ لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ الْآيَةَ الْأَظْهَرُ أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ، بِأَلْقَى أَيْ: أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّةِ الرُّسُلِ وَالْأَنْبِيَاءِ، لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ الْإِلْقَاءَ فِتْنَةً لِلَّذِينِ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ، خِلَافًا لِلْحَوْفِيِّ الْقَائِلِ: إِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِـ «يُحْكِمُ» ، وَابْنِ عَطِيَّةَ الْقَائِلِ: إِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِـ «يَنْسَخُ» . وَمَعْنَى كَوْنِهِ: فِتْنَةً لَهُمْ أَنَّهُ سَبَبٌ لِتَمَادِيهِمْ فِي الضَّلَالِ وَالْكُفْرِ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا مَعَانِيَ الْفِتْنَةِ فِي الْقُرْآنِ سَابِقًا، وَبَيَّنَّا أَنَّ أَصْلَ الْفِتْنَةِ فِي اللُّغَةِ وَضْعُ الذَّهَبِ فِي النَّارِ، لِيَظْهَرَ بِسَبْكِهِ فِيهَا أَخَالِصٌ هُوَ أَمْ زَائِفٌ، وَأَنَّهَا فِي الْقُرْآنِ تُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةٍ مِنْهَا: الْوَضْعُ فِي النَّارِ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [51 \ 13] أَيْ: يُحْرَقُونَ بِهَا، وَقَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ الْآيَةَ [85 \ 10] أَيْ: أَحْرَقُوهُمْ بِنَارِ الْأُخْدُودِ عَلَى أَظْهَرِ التَّفْسِيرَيْنِ، وَمِنْهَا: الِاخْتِبَارُ وَهُوَ أَكْثَرُ اسْتِعْمَالَاتِهَا فِي الْقُرْآنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ [64 \ 15] وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً [21 \ 35] وَقَوْلِهِ تَعَالَى وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ [72 \ 16 - 17] وَمِنْهَا: نَتِيجَةُ الِابْتِلَاءِ إِنْ كَانَتْ سَيِّئَةً كَالْكُفْرِ وَالضَّلَالِ ; كَقَوْلِهِ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ [2 \ 193] أَيْ: شِرْكٌ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ [2 \ 193] وَقَوْلِهِ فِي الْأَنْفَالِ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ [8 \ 39] وَمِمَّا يُوَضِّحُ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» الْحَدِيثَ، فَالْغَايَةُ فِي الْحَدِيثِ مُبَيِّنَةٌ لِلْغَايَةِ فِي الْآيَةِ