وَلَا يَرْهَبُ ابْنُ الْعَمِّ وَالْجَارُ سَطْوَتِي ... وَلَا انْثَنَى عَنْ سَطْوَةِ الْمُتَهَدِّدِ
فَإِنِّي وَإِنْ أَوْعَدْتُهُ أَوْ وَعَدْتُهُ ... لَمُخْلِفٌ إِيعَادِي وَمُنْجِزٌ مَوْعِدِي
فِيهِ نَظَرٌ مِنْ وَجْهَيْنِ.
الْأَوَّلُ: هُوَ مَا بَيَّنَّاهُ آنِفًا مِنْ إِطْلَاقِ الْوَعْدِ فِي الْقُرْآنِ عَلَى التَّوَعُّدِ بِالنَّارِ، وَالْعَذَابِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا [22 \ 72] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ [22 \ 47] ; لِأَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ الَّذِي لَا يَجُوزُ الْعُدُولُ عَنْهُ، وَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ فِي حُلُولِ الْعَذَابِ الَّذِي يَسْتَعْجِلُونَكَ بِهِ لَهُمْ، لِأَنَّهُ مُقْتَرِنٌ بِقَوْلِهِ: وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ [22 \ 47] فَتَعَلُّقُهُ بِهِ هُوَ الظَّاهِرُ.
الثَّانِي: هُوَ مَا بَيَّنَّا أَنَّ مَا أَوْعَدَ اللَّهُ بِهِ الْكُفَّارَ لَا يَصِحُّ أَنْ يُخْلِفَهُ بِحَالٍ ; لِأَنَّ ادِّعَاءَ جَوَازِ إِخْلَافِهِ، لِأَنَّهُ إِيعَادٌ وَأَنَّ الْعَرَبَ تَعُدُّ الرُّجُوعَ عَنِ الْإِيعَادِ كَرَمًا يُبْطِلُهُ أَمْرَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ جَوَازُ أَلَّا يَدْخُلَ النَّارَ كَافِرٌ أَصْلًا، لِأَنَّ إِيعَادَهُمْ بِإِدْخَالِهِمُ النَّارَ مِمَّا زَعَمُوا أَنَّ الرُّجُوعَ عَنْهُ كَرَمٌ، وَهَذَا لَا شَكَّ فِي بُطْلَانِهِ.
الثَّانِي: مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْآيَاتِ الدَّالَّةِ: عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُخْلِفُ مَا أَوْعَدَ بِهِ الْكُفَّارَ مِنَ الْعَذَابِ، كَقَوْلِهِ: قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ الْآيَةَ [50 \ 28 - 29] وَقَوْلِهِ تَعَالَى فِيهِمْ: فَحَقَّ وَعِيدِ [50 \ 14] وَقَوْلِهِ فِيهِمْ: فَحَقَّ عِقَابِ [38 \ 14] وَمَعْنَى حَقَّ: وَجَبَ وَثَبَتَ، فَلَا وَجْهَ لِانْتِفَائِهِ بِحَالٍ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ هُنَا وَفِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ، بَيَّنَ - جَلَّ وَعَلَا - فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ أَنَّ الْيَوْمَ عِنْدَهُ - جَلَّ وَعَلَا - كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا يَعُدُّهُ خَلْقُهُ، وَمَا ذَكَرَهُ هُنَا مِنْ كَوْنِ الْيَوْمِ عِنْدَهُ كَأَلْفِ سَنَةٍ، أَشَارَ إِلَيْهِ فِي سُورَةِ السَّجْدَةِ بِقَوْلِهِ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ [32 \ 5] وَذَكَرَ فِي سُورَةِ الْمَعَارِجِ أَنَّ مِقْدَارَ الْيَوْمِ خَمْسُونَ أَلْفَ سَنَةٍ وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ الْآيَةَ [70 \ 4] ، فَآيَةُ الْحَجِّ، وَآيَةُ السَّجْدَةِ مُتَوَافِقَتَانِ تُصَدِّقُ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا الْأُخْرَى، وَتُمَاثِلُهَا فِي الْمَعْنَى، وَآيَةُ الْمَعَارِجِ تُخَالِفُ ظَاهِرَهُمَا لِزِيَادَتِهَا عَلَيْهِمَا بِخَمْسِينَ ضِعْفًا، وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْآيَاتِ فِي كِتَابِنَا: «دَفْعُ إِيهَامِ الِاضْطِرَابِ عَنْ آيَاتِ الْكِتَابِ» ، وَسَنَذْكُرُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ