يُشْرِكُ بِاللَّهِ، إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ مَنْ مَاتَ عَلَى ذَلِكَ الْإِشْرَاكِ، وَلَمْ يَتُبْ مِنْهُ قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ، أَمَّا مَنْ تَابَ مِنْ شِرْكِهِ قَبْلَ حُضُورِ الْمَوْتِ، فَإِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لَهُ ; لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ.
وَالْآيَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ مُتَعَدِّدَةٌ كَقَوْلِهِ: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ [8 \ 38] وَقَوْلِهِ: وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ إِلَى قَوْلِهِ: إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ الْآيَةَ [25 \ 68 - 70] وَقَوْلِهِ فِي: الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ [5 \ 73] ، أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [5 \ 74] وَقَوْلِهِ: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا الْآيَةَ [20 \ 2 8] ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَتْ تَوْبَتُهُ مِنْ شِرْكِهِ عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ، فَإِنَّهَا لَا تَنْفَعُهُ.
وَقَدْ دَلَّتْ عَلَى ذَلِكَ آيَاتٌ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلَا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ [4 \ 18] فَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى التَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْمَوْتِ عَلَى الْكُفْرِ وَالتَّوْبَةِ مِنْهُ، عِنْدَ حُضُورِ الْمَوْتِ وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا [40 \ 84 - 85] وَكَقَوْلِهِ فِي فِرْعَوْنَ: حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [10 \ 90 - 91] وَقَرَأَ هَذَا الْحَرْفَ نَافِعٌ فَتَخَطَّفُهُ بِفَتْحِ الْخَاءِ وَتَشْدِيدِ الطَّاءِ أَصْلُهُ: فَتَتَخَطَّفُهُ الطَّيْرُ بِتَاءَيْنِ فَحُذِفَتْ إِحْدَاهُمَا وَقَرَأَهُ غَيْرُهُ مِنَ السَّبْعَةِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ بِإِسْكَانِ الْخَاءِ وَتَخْفِيفِ الطَّاءِ مُضَارِعُ خَطِفَهُ بِالْكَسْرِ.
قَوْلُهُ تَعَالَى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ، قَدْ ذَكَرْنَا قَرِيبًا أَنَّا ذَكَرْنَا فِي تَرْجَمَةِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُبَارَكِ: أَنَّ مِنْ أَنْوَاعِ الْبَيَانِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا أَنْ يُذْكَرَ لَفْظٌ عَامٌّ، ثُمَّ يُصَرَّحُ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ بِدُخُولِ بَعْضِ أَفْرَادِ ذَلِكَ الْعَامِّ فِيهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ الْفَرْدُ قَطْعِيَّ الدُّخُولِ لَا يُمْكِنُ إِخْرَاجُهُ بِمُخَصَّصٍ، وَوَاعَدْنَا بِذِكْرِ بَعْضِ أَمْثِلَتِهِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ، وَمُرَادُنَا بِذَلِكَ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ [22 \ 32] عَامٌّ فِي جَمِيعِ شَعَائِرِ اللَّهِ، وَقَدْ نَصَّ تَعَالَى عَلَى أَنَّ الْبُدْنَ فَرْدٌ مِنْ