30

بِمَعْنَى الْقَدِيمِ الْأَوَّلِ وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا الْآيَةَ [3 \ 96] مَعَ أَنَّ الْمَعْنَيَيْنِ الْآخَرَيْنِ كِلَاهُمَا حَقٌّ، وَلَكِنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا، وَخَيْرُ مَا يُفَسَّرُ بِهِ الْقُرْآنُ الْقُرْآنُ.

تَنْبِيهَانِ

الْأَوَّلُ: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ، عَلَى لُزُومِ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَأَنَّهُ لَا صِحَّةَ لِلْحَجِّ بِدُونِهِ.

الثَّانِي: دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَيْضًا عَلَى لُزُومِ الطَّوَافِ مِنْ وَرَاءِ الْحِجْرِ الَّذِي عَلَيْهِ الْجِدَارُ الْقَصِيرُ شَمَالَ الْبَيْتِ ; لِأَنَّ أَصْلَهُ مِنَ الْبَيْتِ، فَهُوَ دَاخِلٌ فِي اسْمِ الْبَيْتِ الْعَتِيقِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.

قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ، لَمْ يُبَيِّنْ هُنَا هَذَا الَّذِي يُتْلَى عَلَيْهِمُ الْمُسْتَثْنَى مِنْ حِلْيَةِ الْأَنْعَامِ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَهُ بِقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ: قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [6 \ 145] وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْنَا هُوَ الصَّوَابُ، أَمَّا مَا قَالَهُ جَمَاعَاتٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي بَيَّنَتِ الْإِجْمَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى هُنَا: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [22] أَنَّهَا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمَائِدَةِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ الْآيَةَ [5 \ 3] فَهُوَ غَلَطٌ، لِأَنَّ الْمَائِدَةَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ وَآيَةُ الْحَجِّ هَذِهِ نَازِلَةٌ قَبْلَ نُزُولِ الْمَائِدَةِ بِكَثِيرٍ، فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُحَالَ الْبَيَانُ عَلَيْهَا فِي قَوْلِهِ: إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ بَلِ الْمُبَيِّنُ لِذَلِكَ الْإِجْمَالِ آيَةُ الْأَنْعَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا لِأَنَّهَا نَازِلَةٌ بِمَكَّةَ، فَيَصِحُّ أَنْ تَكُونَ مُبَيِّنَةً لِآيَةِ الْحَجِّ الْمَذْكُورَةِ كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ.

أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمَائِدَةِ: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ [5 \ 1] فَيَصِحُّ بَيَانُهُ بِقَوْلِهِ فِي الْمَائِدَةِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ الْآيَةَ [5 \ 3] ، كَمَا أَوْضَحْنَا فِي أَوَّلِ الْمَائِدَةِ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

قَوْلُهُ تَعَالَى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ. «مِنْ» فِي هَذِهِ الْآيَةِ بَيَانِيَّةٌ.

وَالْمَعْنَى: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ الَّذِي هُوَ الْأَوْثَانُ: أَيْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015