هَذَا الْمَوْضِعِ، فَتَبَيَّنَ أَنَّ قَوْلَ ابْنِ الْقَطَّانِ: إِنَّ الْحَدِيثَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهَا لَمْ يُعْلَمْ حَالُهَا قُصُورٌ مِنْهُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - كَمَا تَرَى. وَأَمَّا قَوْلُهُ: إِنَّ تَوْثِيقَ أَبِي دَاوُدَ لِأَبِي يَعْقُوبَ غَيْرُ كَافٍ، وَأَنَّ أَبَا يَعْقُوبَ الْمَذْكُورَ، إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَبِي إِسْرَائِيلَ فَذَاكَ رَجُلٌ تَرَكَهُ النَّاسُ لِسُوءِ رَأْيِهِ.
فَجَوَابُهُ أَنَّ أَبَا يَعْقُوبَ الْمَذْكُورَ هُوَ إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ وَاسْمُ إِبْرَاهِيمَ أَبُو إِسْرَائِيلَ، وَقَدْ وَثَّقَهُ أَبُو دَاوُدَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَجِلَّاءِ الْعُلَمَاءِ بِالرِّجَالِ. وَقَالَ فِيهِ الذَّهَبِيُّ فِي «الْمِيزَانِ» : حَافِظٌ شَهِيرٌ. قَالَ: وَوَثَّقَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ: وَقَالَ صَالِحُ جَزَرَةُ صَدُوقٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ يَقِفُ فِي الْقُرْآنِ، وَلَا يَقُولُ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ، بَلْ يَقُولُ: كَلَامُ اللَّهِ. وَقَالَ فِيهِ أَيْضًا: قَالَ عَبْدُوسٌ النَّيْسَابُورِيُّ: كَانَ حَافِظًا جِدًّا لَمْ يَكُنْ مِثْلَهُ أَحَدٌ فِي الْحِفْظِ وَالْوَرَعِ وَاتُّهِمَ بِالْوَقْفِ. وَقَالَ فِيهِ ابْنُ حَجَرٍ فِي «تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ» ، قَالَ ابْنُ مَعِينٍ: ثِقَةٌ. وَقَالَ أَيْضًا: مِنْ ثِقَاتِ الْمُسْلِمِينَ، مَا كَتَبَ حَدِيثًا قَطُّ عَنْ أَحَدٍ مِنَ النَّاسِ، إِلَّا مَا خَطَّهُ هُوَ فِي أَلْوَاحِهِ أَوْ كِتَابِهِ. وَقَالَ أَيْضًا: ثِقَةٌ مَأْمُونٌ أَثْبَتُ مِنَ الْقَوَارِيرِيِّ وَأَكْيَسُ، وَالْقَوَارِيرِيُّ ثِقَةٌ صَدُوقٌ، وَلَيْسَ هُوَ مِثْلَ إِسْحَاقَ، وَذَكَرَ غَيْرَ هَذَا مِنْ ثَنَاءِ ابْنِ مَعِينٍ عَلَيْهِ، وَتَفْضِيلِهِ عَلَى بَعْضِ الثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: ثِقَةٌ. وَقَالَ الْبَغَوِيُّ: كَانَ ثِقَةً مَأْمُونًا، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ قَلِيلَ الْعَقْلِ، وَثَنَاءُ أَئِمَّةِ الرِّجَالِ عَلَيْهِ فِي الْحِفْظِ، وَالْعَدَالَةِ كَثِيرٌ مَشْهُورٌ وَإِنَّمَا نَقَمُوا عَلَيْهِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ، وَيَسْكُتُ عِنْدَهَا وَلَا يَقُولُ: غَيْرُ مَخْلُوقٍ، وَمِنْ هُنَا جَعَلُوهُ وَاقِفِيًّا، وَتَكَلَّمُوا فِي حَدِيثِهِ، كَمَا قَالَ فِيهِ صَالِحُ جَزَرَةُ: صَدُوقٌ فِي الْحَدِيثِ إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: الْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ وَيَقِفُ.
وَقَالَ السَّاجِيُّ: تَرَكُوهُ لِمَوْضِعِ الْوَقْفِ، وَكَانَ صَدُوقًا. وَقَالَ أَحْمَدُ: إِسْحَاقُ بْنُ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَاقِفِيٌّ مَشْئُومٌ، إِلَّا أَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ حَدِيثٍ كَيِّسًا.
وَقَالَ السَّرَّاجُ: سَمِعْتُهُ يَقُولُ: هَؤُلَاءِ الصِّبْيَانُ يَقُولُونَ: كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ، أَلَا قَالُوا كَلَامُ اللَّهِ وَسَكَتُوا. وَقَالَ عُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ مَعِينٍ فَقَالَ: ثِقَةٌ. قَالَ عُثْمَانُ: لَمْ يَكُنْ أَظْهَرَ الْوَقْفَ حِينَ سَأَلْتُ يَحْيَى عَنْهُ وَيَوْمَ كَتَبْنَا عَنْهُ كَانَ مَسْتُورًا، وَقَالَ عَبْدُوسٌ النَّيْسَابُورِيُّ: كَانَ حَافِظًا جِدًّا، وَلَمْ يَكُنْ مِثْلُهُ فِي الْحِفْظِ وَالْوَرَعِ، وَكَانَ لَقِيَ الْمَشَايِخَ فَقِيلَ: كَانَ يُتَّهَمُ بِالْوَقْفِ قَالَ: نَعَمِ اتُّهِمَ وَلَيْسَ بِمُتَّهَمٍ. وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: نَاظَرْتُهُ فَقَالَ: لَمْ أَقُلْ عَلَى الشَّكِّ، وَلَكِنِّي أَسْكُتُ كَمَا سَكَتَ الْقَوْمُ قَبْلِي.
وَالْحَاصِلُ: أَنَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى ثِقَتِهِ، وَأَمَانَتِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْحَدِيثِ، إِلَّا أَنَّهُمْ كَانُوا