قَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي «الْمُغْنِي» : وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِهِ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَفَعَلَتْهُ عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -. وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ، وَإِسْحَاقُ، وَيَتَخَرَّجُ عَلَى قَوْلِنَا فِيمَا إِذَا تَعَيَّبَ الْهَدْيَ، فَأَبْدَلَهُ فَإِنَّ لَهُ أَنْ يَصْنَعَ مَا شَاءَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مِلْكِ أَحَدِهِمَا ; لِأَنَّهُ قَدْ ذَبَحَ مَا فِي الذِّمَّةِ، فَلَمْ يَلْزَمْهُ شَيْءٌ آخَرُ، كَمَا لَوْ عَطِبَ الْمُعَيَّنُ وَهَذَا قَوْلُ أَصْحَابِ الرَّأْيِ.

وَوَجْهُ الْأَوَّلِ: مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا -: أَنَّهَا أَهْدَتْ هَدْيَيْنِ، فَأَضَلَّتْهُمَا، فَبَعَثَ إِلَيْهَا ابْنُ الزُّبَيْرِ هَدْيَيْنِ فَنَحَرَتْهُمَا، ثُمَّ عَادَ الضَّالَّانِ فَنَحَرَتْهُمَا، وَقَالَتْ: هَذِهِ سُنَّةُ الْهَدْيِ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَهَذَا يَنْصَرِفُ إِلَى سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ حَقُّ اللَّهِ بِهِمَا بِإِيجَابِهِمَا، أَوْ ذَبْحِ أَحَدِهِمَا وَإِيجَابِ الْآخَرِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنَ «الْمُغْنِي» . وَلَيْسَ فِي الْمَسْأَلَةِ شَيْءٌ مَرْفُوعٌ. وَالْأَحْوَطُ: ذَبْحُ الْجَمِيعِ كَمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ الْأَظْهَرُ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَاعْلَمْ أَنَّ الْهَدْيَ إِنْ كَانَ مُعَيَّنًا بِالنَّذْرِ مِنَ الْأَصْلِ، بِأَنْ قَالَ: نَذَرْتُ إِهْدَاءَ هَذَا الْهَدْيِ بِعَيْنِهِ أَوْ مُعَيَّنًا تَطَوُّعًا، إِذَا رَآهُ صَاحِبُهُ فِي حَالَةٍ يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ أَنَّهُ سَيَمُوتُ، فَإِنَّهُ تَلْزَمُهُ ذَكَاتُهُ، وَإِنْ فَرَّطَ فِيهَا حَتَّى مَاتَ كَانَ عَلَيْهِ ضَمَانُهُ ; لِأَنَّهُ كَالْوَدِيعَةِ عِنْدَهُ.

أَمَّا لَوْ مَاتَ بِغَيْرِ تَفْرِيطِهِ، أَوْ ضَلَّ أَوْ سُرِقَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ بَدَلٌ عَنْهُ كَمَا أَوْضَحْنَاهُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَتَعَلَّقِ الْحَقُّ بِذِمَّتِهِ بَلْ بِعَيْنِ الْهَدْيِ.

وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي: إِنْ لَزِمَهُ بَدَلُهُ بِتَفْرِيطِهِ أَنَّهُ يَشْتَرِي هَدْيًا مِثْلَهُ، وَيَنْحَرُهُ بِالْحَرَمِ بَدَلًا عَنِ الَّذِي فَرَّطَ فِيهِ، وَإِنْ قِيلَ: بِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ التَّصَدُّقُ بِقِيمَتِهِ عَلَى مَسَاكِينِ الْحَرَمِ، فَلَهُ وَجْهٌ مِنَ النَّظَرِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَلَا نَصَّ فِي ذَلِكَ وَلْنَكْتَفِ بِمَا ذَكَرْنَا هُنَا مِنْ أَحْكَامِ الْهَدْيِ، وَسَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَفْصِيلُ مَا يَجُوزُ الْأَكْلُ مِنْهُ، وَمَا لَا يَجُوزُ مِنَ الْهَدَايَا.

تَنْبِيهٌ

قَدْ قَدَّمْنَا فِي سُورَةِ «الْبَقَرَةِ» أَنَّ الْقُرْآنَ دَلَّ فِي مَوْضِعَيْنِ عَلَى أَنَّ نَحْرَ الْهَدْيِ قَبْلَ الْحَلْقِ، وَالتَّقْصِيرِ يَوْمَ النَّحْرِ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ لَوْ قَدَّمَ الْحَلْقَ عَلَى النَّحْرِ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، وَأَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْحَاجَّ مُفْرِدًا كَانَ أَوْ قَارِنًا أَوْ مُتَمَتِّعًا إِنْ رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ وَنَحَرَ مَا مَعَهُ مِنَ الْهَدْيِ: فَعَلَيْهِ الْحَلْقُ أَوِ التَّقْصِيرُ، وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ التَّحْقِيقَ أَنَّ الْحَلْقَ نُسُكٌ وَأَنَّهُ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015