الْوَاجِبُ عَلَيَّ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْإِشْعَارَ وَالتَّقْلِيدَ كَذَلِكَ. فَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ الْوُجُوبُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ تَبْرَأَ الذِّمَّةُ، فَلَيْسَ لَهُ التَّصَرُّفُ فِيهِ مَا دَامَ سَلِيمًا، وَإِنْ عَطِبَ أَوْ سُرِقَ أَوْ ضَلَّ أَوْ نَحْوُ ذَلِكَ لَمْ يُجْزِهِ، وَعَادَ الْوُجُوبُ إِلَى ذِمَّتِهِ. فَيَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ آخَرُ ; لِأَنَّ الذِّمَّةَ لَا تَبْرَأُ بِمُجَرَّدِ التَّعْيِينِ بِالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ أَوْ فَعَلَ بِهِ مَا شَاءَ ; لِأَنَّ الْهَدْيَ لَازِمٌ فِي التَّقْلِيدِ وَالْإِشْعَارِ. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ إِنْ عَطِبَ ذِمَّتَهُ، وَهَذَا الَّذِي عَطِبَ صَارَ كَأَنَّهُ شَيْءٌ مِنْ مَالِهِ لَا حَقَّ فِيهِ لِفُقَرَاءِ الْحَرَمِ ; لِأَنَّ حَقَّهُمْ بَاقٍ فِي الذِّمَّةِ، فَلَهُ بَيْعُهُ وَأَكْلُهُ، وَكُلُّ مَا شَاءَ. وَعَلَى هَذَا جُمْهُورُ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَعَنْ مَالِكٍ يَأْكُلُ وَيُطْعِمُ مَنْ شَاءَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ وَالْفُقَرَاءِ، وَلَا يَبِيعُ مِنْهُ شَيْئًا، وَإِنْ بَلَغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَذَبَحَهُ وَسُرِقَ: فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَ أَحْمَدَ.
قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَبِهَذَا قَالَ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ الْقَاسِمِ صَاحِبُ مَالِكٍ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ ; لِأَنَّهُ لَمْ يُوصِلِ الْحَقَّ إِلَى مُسْتَحِقِّهِ، فَأَشْبَهَ مَا لَوْ لَمْ يَذْبَحْهُ. وَلَنَا أَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ عَلَيْهِ، فَبَرِئَ مِنْهُ كَمَا لَوْ فَرَّقَهُ. وَدَلِيلُ أَنَّهُ أَدَّى الْوَاجِبَ: أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ إِلَّا التَّفْرِقَةُ، وَلَيْسَتْ وَاجِبَةً، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ خَلَّى بَيْنَهُ، وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ أَجْزَأَهُ. وَلِذَلِكَ لَمَّا نَحَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبَدَنَاتِ قَالَ: " مَنْ شَاءَ اقْتَطَعَ ". انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنَ " الْمُغْنِي ".
وَأَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي: أَنَّهُ لَا تَبْرَأُ ذِمَّتُهُ بِذَبْحِهِ: حَتَّى يُوصِلَهُ إِلَى الْمُسْتَحِقِّينَ ; لِأَنَّ الْمُسْتَحِقِّينَ إِنْ لَمْ يَنْتَفِعُوا بِهِ، لَا فَرْقَ عِنْدَهُمْ بَيْنَ ذَبْحِهِ وَبَيْنَ بَقَائِهِ حَيًّا، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ [22 \ 28] ، وَيَقُولُ: وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ [22 \ 36] ، وَالْآيَتَانِ تَدُلَّانِ عَلَى لُزُومِ التَّفْرِقَةِ وَالتَّخْلِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْفُقَرَاءِ يَقْتَسِمُونَهُ تَفْرِقَةٌ ضِمْنِيَّةٌ ; لِأَنَّ الْإِذْنَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ، وَهُوَ مُتَيَسِّرٌ لَهُمْ كَإِعْطَائِهِمْ إِيَّاهُ بِالْفِعْلِ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى. وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْهَدْيَ الْمَذْكُورَ إِنْ تَعَيَّبَ فِي الطَّرِيقِ فَعَلَيْهِ نَحْرُهُ، وَنَحْرُ هَدْيٍ آخَرَ غَيْرِ مَعِيبٍ لَا يَظْهَرُ كُلَّ الظُّهُورِ، إِذْ لَا مُوجِبَ لِتَعَدُّدِ الْوَاجِبِ عَلَيْهِ وَهُوَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إِلَّا وَاحِدٌ. وَحُجَّةُ مَنْ قَالَ بِذَلِكَ: أَنَّهُ لَمَّا عَيَّنَهُ مُتَقَرِّبًا بِهِ إِلَى اللَّهِ لَا يَحْسُنُ انْتِفَاعُهُ بِهِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَلَوْ لَمْ يُجْزِئْهُ.
وَأَمَّا الْوَاجِبُ الْمُعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، كَأَنْ يَقُولَ: نَذَرْتُ لِلَّهِ إِهْدَاءَ هَذَا الْهَدْيِ الْمُعَيَّنِ، فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالنَّذْرِ، وَلَا يَكُونُ فِي ذِمَّتِهِ، فَإِنْ عَطِبَ أَوْ سُرِقَ: لَمْ يَلْزَمْهُ بَدَلُهُ ; لِأَنَّ حَقَّ الْفُقَرَاءِ إِذًا تَعَلَّقَ بِعَيْنِهِ، لَا بِذِمَّةِ الْمُهْدِي. وَالظَّاهِرُ: أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ الْأَكْلُ مِنْهُ، سَوَاءً عَطِبَ فِي الطَّرِيقِ أَوْ بَلَغَ مَحِلَّهُ.
وَحَاصِلُ مَا ذَكَرْنَا: رَاجِعٌ إِلَى أَنَّ مَا عَطِبَ بِالطَّرِيقِ مِنَ الْهَدْيِ إِنْ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِذِمَّتِهِ سَلِيمًا فَالظَّاهِرُ أَنَّ لَهُ الْأَكْلَ مِنْهُ، وَالتَّصَرُّفَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ بَدَلُهُ سَلِيمًا، وَقِيلَ: يُلْزَمُ الَّذِي عَطِبَ