وَيَجْتَمِعُ النَّفَرُ مِنَّا فِي الْهَدِيَّةِ» . وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ حَجِّهِمْ مَرْدُودٌ بِالْقَادِحِ الْمُسَمَّى فِي اصْطِلَاحِ أَهْلِ الْأُصُولِ بِالْقَلْبِ ; لِأَنَّ حَدِيثَ جَابِرٍ الْمَذْكُورَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ، وَذَلِكَ هُوَ عَيْنُ الْقَلْبِ، وَإِيضَاحُهُ أَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ: «وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا مِنْ حَجِّهِمْ» . وَالْإِشَارَةُ فِي قَوْلِهِ «وَذَلِكَ» رَاجِعَةٌ إِلَى الْأَمْرِ بِالْهَدِيَّةِ، وَالِاشْتِرَاكِ فِيهَا، وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ ذَلِكَ حِينَ إِحْلَالِهِمْ مِنْ حَجِّهِمْ ; وَذَلِكَ إِنَّمَا وَقَعَ يَوْمَ النَّحْرِ ; لِأَنَّهُ لَا إِحْلَالَ مِنْ حَجٍّ أَلْبَتَّةَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ.

وَالْغَرِيبُ مِنَ الشَّيْخِ النَّوَوِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ هَذَا: وَفِيهِ دَلِيلٌ لِجَوَازِ ذَبْحِ هَدْيِ التَّمَتُّعِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ ; لِأَنَّ لَفْظَ الْحَدِيثِ مُصَرِّحٌ بِأَنَّ ذَلِكَ عِنْدَ الْأَمْرِ بِالْإِحْلَالِ مِنَ الْحَجِّ، وَهُوَ يَسْتَدِلُّ بِهِ عَلَى وُقُوعِهِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ.

وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا سَهْوٌ مِنْهُ أَوْ أَنَّهُ ذَهَبَ ذِهْنُهُ إِلَى أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ حِينَ تَحَلُّلِهِمْ مِنَ الْعُمْرَةِ، وَظَنَّ أَنَّ اسْمَ الْحَجِّ لَا يُنَافِي ذَلِكَ ; لِأَنَّ أَصْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ، فَفَسَخُوهُ فِي عُمْرَةٍ، فَلَمَّا أَحَلُّوا مِنْهَا صَارُوا كَأَنَّهُمْ مُحِلُّونَ مِنَ الْحَجِّ الَّذِي فَسَخُوهُ فِيهَا، وَهَذَا مُحْتَمَلٌ وَلَكِنَّهُ بَعِيدٌ جِدًّا مِنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ ; لِأَنَّ الْحَجَّ الَّذِي أَحْرَمُوا بِهِ لَمَّا فَسَخُوهُ فِي عُمْرَةٍ زَالَ اسْمُهُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَصَارَ الْإِحْلَالُ مِنْ عُمْرَةٍ لَا مِنْ حَجٍّ كَمَا تَرَى، فَحَمْلُ لَفْظِ الْإِحْلَالِ مِنَ الْحَجِّ عَلَى الْإِحْلَالِ مِنَ الْعُمْرَةِ حَمْلٌ لِلَفْظِ الْحَدِيثِ، عَلَى مَا لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ بِحَسْبَ الْوَضْعِ الْعَرَبِيِّ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ.

وَلَوْ سَلَّمْنَا جَدَلِيًّا أَنَّ الْمُرَادَ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الْمَذْكُورِ بِالْإِحْلَالِ مِنَ الْحَجِّ: هُوَ الْإِحْلَالُ مِنَ الْعُمْرَةِ الَّتِي فَسَخُوا فِيهَا الْحَجَّ كَمَا هُوَ رَأْيُ النَّوَوِيِّ، فَلَا دَلِيلَ فِي الْحَدِيثِ أَيْضًا ; لِأَنَّ غَايَةَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ عَلَى التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ: أَنَّهُ أَمَرَهُمْ عِنْدَ الْإِحْلَالِ مِنَ الْعُمْرَةِ بِالْهَدْيِ وَذَلِكَ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُمْ ذَبَحُوهُ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ، بَلِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَذْبَحُوا شَيْئًا مِنْ هَدَايَاهُمْ، قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، كَمَا تَقَدَّمَ إِيضَاحُهُ.

وَاسْتِدْلَالُهُمْ بِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَقَدِّمِ عِنْدَ الْحَاكِمِ: «أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَسَّمَ يَوْمَئِذٍ فِي أَصْحَابِهِ غَنَمًا فَأَصَابَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ تَيْسٌ فَذَبَحَهُ عَنْ نَفْسِهِ، فَلَمَّا وَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَرَفَةَ» ، إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ، لَا دَلِيلَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَذْبَحْهُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ، كَمَا فَعَلَ جَمِيعُ الصَّحَابَةِ. وَجَاءَ فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ فَصَارَتْ رِوَايَةُ أَحْمَدَ الْمُصَرِّحَةُ بِأَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ يَوْمَ النَّحْرِ، مُفَسِّرَةً لِرِوَايَةِ الْحَاكِمِ.

قَالَ الْهَيْثَمِيُّ فِي «مَجْمَعِ الزَّوَائِدِ» ، مَا نَصُّهُ: «بَابُ تَفْرِقَةِ الْهَدْيِ» : عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015