النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا لَا تَلْبَسُ الْمُعَصْفَرَ مِنَ الثِّيَابِ، وَلَا الْمُمْشَّقَةَ، وَلَا الْحُلِيَّ، وَلَا تَخْتَضِبُ " انْتَهَى مِنْهُ، وَهَذَا الْإِسْنَادُ صَحِيحٌ كَمَا تَرَى.
وَقَالَ صَاحِبُ الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ فِي حَاشِيَتِهِ عَلَى سُنَنِ الْبَيْهَقِيِّ، لَمَّا أَشَارَ إِلَى حَدِيثِ أَبِي دَاوُدَ هَذَا، وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعُصْفُرَ طِيبٌ، وَلِذَلِكَ نَهَيْتُ عَنِ الْمُعَصْفَرِ، إِذْ لَوْ كَانَ النَّهْيُ لِكَوْنِهِ زِينَةً نَهَيْتُ عَنْ ثَوْبِ الْعَصْبِ ; لِأَنَّهُ فِي الزِّينَةِ فَوْقَ الْمُعَصْفَرِ، وَالْعَصْبُ بُرُودُ الْيَمَنِ يُعْصَبُ غَزْلُهَا: أَيْ تُطْوَى، ثُمَّ تُصْنَعُ مَصْبُوغًا، ثُمَّ تُنْسَجُ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَثْنَى مِنَ الْمَنْعِ ثَوْبَ الْعَصْبِ، وَالشَّافِعِيَّةُ خَالَفَتْ هَذَا الْحَدِيثَ.
قَالَ النَّوَوِيُّ: الْأَصَحُّ عِنْدَنَا تَحْرِيمُ الْعَصْبِ مُطْلَقًا، وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ لِمَنْ أَجَازَهُ. وَقَالَ أَيْضًا: الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَجُوزُ لَهَا لُبْسُ الْحَرِيرِ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ، فِي الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا: " وَلَا تَلْبَسُ ثَوْبًا مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ، وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَمَسُّ طِيبًا " الْحَدِيثَ.
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: مِنْ حَدِيثِ أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: " كُنَّا نَنْهَى أَنْ نَحِدَّ عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثٍ، إِلَّا عَلَى زَوْجٍ ". الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: " وَلَا تَكْتَحِلُ وَلَا تَطَيَّبُ وَلَا تَلْبَسُ مَصْبُوغًا إِلَّا ثَوْبَ عَصْبٍ " الْحَدِيثَ.
وَالْمُمَشَّقَةُ فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ الْمَذْكُورَةُ هِيَ الْمَصْبُوغَةُ بِالْمَشْقِ بِالْكَسْرِ وَالْفَتْحِ، وَهُوَ الْمَغْرَةُ، وَالْعُصْفُرُ بِالضَّمِّ: نَبَاتٌ يُصْبَغُ بِهِ وَبِرُزِّهُ هُوَ الْقُرْطُمُ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: الَّذِي يَظْهَرُ لِي أَنَّ مَنْعَ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، مِنْ لُبْسِ الْمُعَصْفَرِ الْمَذْكُورِ، لَيْسَ لِكَوْنِهِ طِيبًا كَمَا ظَنَّهُ صَاحِبُ الْجَوْهَرِ النَّقِيِّ، بِدَلِيلِ الْأَحَادِيثِ الدَّالَّةِ عَلَى الْمَنْعِ مِنْهُ فِي غَيْرِ الْإِحْرَامِ، مَعَ جَوَازِ الطِّيبِ لِغَيْرِ الْمُحْرِمِ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ لِلزِّينَةِ: وَهِيَ مُحَرَّمَةٌ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، دُونَ غَيْرِهَا مِنَ النِّسَاءِ. وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَلَا يَتَعَيَّنُ كَوْنُ الْعَصْبِ فَوْقَهُ فِي الزِّينَةِ ; لِأَنَّ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا مَمْنُوعَةٌ فِي الْعِدَّةِ، مِنَ الطِّيبِ، وَالتَّزَيُّنِ، فَإِبَاحَةُ الْعَصْبِ لَهَا تَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ رُتْبَتِهِ فِي الزِّينَةِ. وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
وَمِنْ ذَلِكَ الْحِنَّاءُ، قَدْ قَدَّمْنَا اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِيهَا، هَلْ هِيَ طِيبٌ أَوْ لَا؟ وَقَدْ قَدَّمْنَا