بِرَأْسِهِ شَجَّةٌ فَجَعَلَ هَذَا الدُّهْنَ فِي دَاخِلِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمَسَّ شَعْرَ رَأْسِهِ: فَلَا فِدْيَةَ، بِلَا خِلَافٍ، وَلَوْ طَلَى شَعْرَ رَأْسِهِ وَلِحْيَتِهِ بِلَبَنٍ جَازَ: وَلَا فِدْيَةَ، وَإِنْ كَانَ اللَّبَنُ يُسْتَخْرَجُ مِنْهُ السَّمْنُ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدُهْنٍ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ تَرْجِيلُ الشَّعْرِ، وَالشَّحْمُ، وَالشَّمْعُ عِنْدَهُمْ، إِذَا أُذِيبَا كَالدُّهْنِ يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْرِمِ تَرْجِيلُ شِعْرِهِ بِهِمَا.
الضَّرْبُ الثَّانِي: دُهْنٌ هُوَ طِيبٌ، وَمِنْهُ: دُهْنُ الْوَرْدِ، وَالْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِ، وَقِيلَ: فِيهِ وَجْهَانِ. وَمِنْهُ: دُهْنُ الْبَنَفْسَجِ، فَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّ نَفْسَ الْبَنَفْسَجِ: لَا فِدْيَةَ فِيهِ، فَدُهْنُهُ أَوْلَى، وَعَلَى أَنَّ فِيهِ الْفِدْيَةَ، فَدُهْنُهُ كَدُهْنِ الْوَرْدِ، وَالْأَدْهَانُ كَثِيرَةٌ، وَخِلَافُ الْعُلَمَاءِ فِيهَا مِنَ الْخِلَافِ فِي تَحْقِيقِ الْمَنَاطِ كَدُهْنِ الْبَانِ وَالزَّنْبَقِ، وَهُوَ دُهْنُ الْيَاسَمِينِ وَالْكَاذِيِّ وَهُوَ دُهْنٌ، وَنَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ، وَالْخِيرَى، وَهُوَ مُعَرَّبٌ، وَهُوَ نَبْتٌ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ وَيُقَالُ لِلنُّحَاسِيِّ: خَيْرِي الْبَرِّ، وَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ الْأَدْهَانَ الْمَذْكُورَةَ، وَنَحْوَهَا طِيبٌ، تَجِبُ بِاسْتِعْمَالِهِ الْفِدْيَةُ.
وَاعْلَمْ: أَنَّ مَحَلَّ وُجُوبِ الْفِدْيَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ فِي الطِّيبِ: إِذَا كَانَ اسْتَعْمَلَهُ عَامِدًا، فَإِنْ كَانَ نَاسِيًا أَوْ أَلْقَتْهُ الرِّيحُ عَلَيْهِ، لَزِمَتْهُ الْمُبَادَرَةُ بِإِزَالَتِهِ بِمَا يَقْطَعُ رِيحَهُ، وَكَوْنُ الْأَوْلَى أَنْ يَسْتَعِينَ فِي غَسْلِهِ بِحَلَالٍ وَتَقْدِيمِهِ غَسْلَهُ عَلَى الْوُضُوءِ، إِنْ لَمْ يَكْفِ الْمَاءُ، إِلَّا أَحَدَهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ مُوَافِقٌ لِمَا قَدَّمْنَا عَنِ الْحَنَابِلَةِ، بِخِلَافِ غَسْلِ النَّجَاسَةِ، فَهُوَ مُقَدَّمٌ عِنْدَهُمْ عَلَى غَسْلِ الطِّيبِ وَلَوْ لَصَقَ بِالْمُحْرِمِ طِيبٌ يُوجِبُ الْفِدْيَةَ، لَزِمَهُ الْمُبَادَرَةُ إِلَى إِزَالَتِهِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَصَى وَلَا تَتَكَرَّرُ بِهِ الْفِدْيَةُ وَالِاكْتِحَالُ عِنْدَهُمْ بِمَا فِيهِ طِيبٌ حَرَامٌ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَيْهِ اكْتَحَلَ بِهِ وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ.
وَأَمَّا الِاكْتِحَالُ بِمَا لَا طِيبَ فِيهِ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ زِينَةٌ كُرِهَ عِنْدَهُمْ: كَالْإِثْمِدِ، وَإِنْ كَانَ بِمَا لَا زِينَةَ فِيهِ: كَالتُّوتِيَا الْأَبْيَضِ فَلَا كَرَاهَةَ.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْإِجْمَاعَ عَلَى تَحْرِيمِ الطِّيبِ لِلْمُحْرِمِ: وَمَذْهَبُنَا أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَبَخَّرَ، أَوْ يَجْعَلَهُ فِي ثَوْبِهِ، أَوْ بَدَنِهِ، وَسَوَاءً كَانَ الثَّوْبُ مِمَّا يَنْقُضُ الطِّيبُ، أَمْ لَمْ يَكُنْ.
قَالَ الْعَبْدَرِيُّ: وَبِهِ قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَتَبَخَّرَ بِالْعُودِ، وَالنَّدِّ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَ شَيْئًا مِنَ الطِّيبِ فِي بَدَنِهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَجْعَلَهُ عَلَى ظَاهِرِ ثَوْبِهِ، فَإِنْ جَعَلَهُ فِي بَاطِنِهِ، وَكَانَ الثَّوْبُ لَا