وَلَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، وَلَا خِلَافَ عِنْدَهُمْ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، إِلَّا الْحُقْنَةُ وَالسَّعُوطُ فَفِيهِمَا وَجْهٌ ضَعِيفٌ: أَنَّهُ لَا فِدْيَةَ فِيهِمَا.

وَمَشْهُورُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: وُجُوبُ الْفِدْيَةِ فِيهِمَا، وَلَوْ لَبِسَ ثَوْبًا مُبَخَّرًا بِالطِّيبِ، أَوْ ثَوْبًا مَصْبُوغًا بِالطِّيبِ، أَوْ عَلَقَ بِنَعْلِهِ طِيبٌ، لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَلَوْ عَبِقَتْ رَائِحَةُ الطِّيبِ دُونَ عَيْنِهِ، بِأَنْ جَلَسَ فِي دُكَّانِ عَطَّارٍ أَوْ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَهِيَ تُبَخَّرُ أَوْ فِي بَيْتٍ يُبَخَّرُ سَاكِنُوهُ: فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ بِلَا خِلَافٍ، ثُمَّ إِنْ لَمْ يَقْصِدِ الْمَوْضِعَ لِاشْتِمَامِ الرَّائِحَةِ، لَمْ يُكْرَهْ، وَإِنْ قَصَدَهُ لِاشْتِمَامِهَا فَفِي كَرَاهَتِهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، أَصَحُّهُمَا: يُكْرَهُ، وَبِهِ قَطَعَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَآخَرُونَ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْإِمْلَاءِ، وَالثَّانِي: لَا يُكْرَهُ، وَقَطَعَ الْقَاضِي حُسَيْنٌ بِالْكَرَاهَةِ، وَقَالَ: إِنَّمَا الْقَوْلَانِ فِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ، وَالْمَذْهَبُ الْأَوَّلُ، وَبِهِ قَطَعَ الْأَكْثَرُونَ. قَالَهُ: النَّوَوِيُّ ثُمَّ قَالَ: وَلَوِ احْتَوَى عَلَى مَجْمَرَةٍ فَتَبَخَّرَ بِالْعُودِ بَدَنُهُ أَوْ ثِيَابُهُ: لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّهُ يُعَدُّ اسْتِعْمَالًا لِلطِّيبِ، وَلَوْ مَسَّ طِيبًا يَابِسًا كَالْمِسْكِ وَالْكَافُورِ، فَإِنْ عَلِقَ بِيَدِهِ لَوْنُهُ وَرِيحُهُ وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ، بِلَا خِلَافٍ ; لِأَنَّ اسْتِعْمَالَهُ هَكَذَا يَكُونُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَقْ بِيَدِهِ شَيْءٌ مِنْ عَيْنِهِ، لَكِنْ عَبِقَتْ بِهِ الرَّائِحَةُ، فَفِي وُجُوبِ الْفِدْيَةِ قَوْلَانِ، الْأَصَحُّ عِنْدَ الْأَكْثَرِينَ وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأَوْسَطِ: لَا تَجِبُ ; لِأَنَّهَا عَنْ مُجَاوَرَةٍ فَأَشْبَهَ مَنْ قَعَدَ عِنْدَ الْكَعْبَةِ، وَهِيَ تُبَخَّرُ، وَالثَّانِي: تَجِبُ، وَصَحَّحَهُ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ، وَهُوَ نَصُّهُ فِي الْأُمِّ وَالْإِمْلَاءِ وَالْقَدِيمِ ; لِأَنَّهَا عَنْ مُبَاشَرَةٍ، وَإِنْ ظَنَّ أَنَّ الطِّيبَ يَابِسٌ فَمَسَّهُ، فَعَلِقَ بِيَدِهِ فَفِي الْفِدْيَةِ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا: لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ، خِلَافًا لِإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ.

وَأَمَّا إِنْ مَسَّ الطِّيبَ، وَهُوَ عَالِمٌ بِأَنَّهُ رَطْبٌ وَكَانَ قَاصِدًا مَسَّهُ، فَعَلِقَ بِيَدِهِ، فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ عِنْدَهُمْ، وَلَوْ شَدَّ مِسْكًا أَوْ كَافُورًا، أَوْ عَنْبَرًا فِي طَرَفِ ثَوْبِهِ أَوْ جُبَّتِهِ: وَجَبَتِ الْفِدْيَةُ عِنْدَهُمْ قَطْعًا ; لِأَنَّهُ اسْتِعْمَالٌ لَهُ، وَلَوْ شَدَّ الْعُودَ فَلَا فِدْيَةَ ; لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ تَطَيُّبًا، بِخِلَافِ شَدِّ الْمِسْكِ، وَلَوْ شَمَّ الْوَرْدَ فَقَدْ تَطَيَّبَ عِنْدَهُمْ، بِخِلَافِ مَا لَوْ شَمَّ مَاءَ الْوَرْدِ، فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ مُتَطَيِّبًا عِنْدَهُمْ، بَلِ اسْتِعْمَالُ مَاءِ الْوَرْدِ عِنْدَهُمْ هُوَ أَنْ يَصُبَّهُ عَلَى بَدَنِهِ أَوْ ثَوْبِهِ وَلَوْ حَمَلَ مِسْكًا، أَوْ طِيبًا غَيْرَهُ فِي كِيسٍ، أَوْ خِرْقَةٍ مَشْدُودًا، أَوْ قَارُورَةٍ مُصَمَّمَةِ الرَّأْسِ، أَوْ حَمَلَ الْوَرْدَ فِي وِعَاءٍ: فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ. نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْأُمِّ وَقَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ: وَفِيهِ وَجْهٌ شَاذٌّ: أَنَّهُ إِنْ كَانَ يَشُمُّهُ قَصْدًا: لَزِمَتْهُ الْفِدْيَةُ، وَلَوْ حَمَلَ مِسْكًا فِي قَارُورَةٍ غَيْرِ مَشْقُوقَةٍ: فَلَا فِدْيَةَ فِي أَصَحِّ الْوَجْهَيْنِ.

وَلَوْ كَانَتِ الْقَارُورَةُ مَشْقُوقَةً، أَوْ مَفْتُوحَةَ الرَّأْسِ، فَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الْأَصْحَابِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015