الِاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْضَلُ، وَأَكْمَلُ مِنْ غَيْرِهِ.

الْفَرْعُ الْعَاشِرُ: فِي حُكْمِ تَقْدِيمِ الْإِحْرَامِ عَلَى مِيقَاتِهِ الزَّمَانِيِّ، الَّذِي هُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ الَّتِي تَقَدَّمَ بَيَانُهَا.

اعْلَمْ أَنَّ جَمَاعَةً مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَتْ: لَا يُعْتَقَدُ الْإِحْرَامُ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَأَكْثَرُ مَنْ قَالَ بِهَذَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ إِنْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ فِي غَيْرِ أَشْهُرِهِ يَنْعَقِدُ إِحْرَامُهُ بِعُمْرَةٍ لَا حَجٍّ، وَهَذَا هُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ. قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ، وَطَاوُسٌ، وَمُجَاهِدٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَنَقَلَهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ عُمَرَ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَابِرٍ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَحْمَدَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يَتَحَلَّلُ بِعُمْرَةٍ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا يُحْرِمُ بِالْحَجِّ إِلَّا فِي أَشْهُرِهِ. وَقَالَ دَاوُدُ: لَا يَنْعَقِدُ. وَقَالَ النَّخَعِيُّ، وَالثَّوْرِيُّ، وَمَالُكٌ، وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَأَحْمَدُ: يَجُوزُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَلَكِنْ يُكْرَهُ قَالُوا: فَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَلَا تَجُوزُ قَبْلَ أَشْهُرِ الْحَجِّ بِلَا خِلَافٍ، وَاحْتَجَّ لَهُمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ [2 \ 189] فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ الْأَهِلَّةَ كُلَّهَا مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ; وَلِأَنَّهَا عِبَادَةٌ تَدْخُلُهَا النِّيَابَةُ، وَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِي إِفْسَادِهَا، فَلَمْ تُخَصَّ بِوَقْتٍ كَالْعُمْرَةِ، وَلِأَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ يَصِحُّ فِي زَمَانٍ لَا يُمْكِنُ إِيقَاعُ الْأَفْعَالِ فِيهِ ; وَهُوَ شَوَّالٌ، فَعُلِمَ أَنَّهُ لَا يُخْتَصُّ بِزَمَانٍ. قَالُوا: وَلِأَنَّ التَّوْقِيتَ ضَرْبَانِ تَوْقِيتُ مَكَانٍ وَزَمَانٍ. وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَوْ تَقَدَّمَ إِحْرَامُهُ عَلَى مِيقَاتِ الْمَكَانِ صَحَّ، فَكَذَا الزَّمَانُ قَالُوا: وَأَجْمَعْنَا عَلَى أَنَّهُ لَوْ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ قَبْلَ أَشْهُرِهِ انْعَقَدَ لَكِنِ اخْتَلَفْنَا، هَلْ يَنْعَقِدُ حَجًّا أَوْ عُمْرَةً؟ فَلَوْ لَمْ يَنْعَقِدْ حَجًّا لَمَا انْعَقَدَ عُمْرَةً. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْ كَلَامِ النَّوَوِيِّ.

قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: وَمِنَ الْعَجِيبِ عِنْدِي أَنْ يَسْتَدِلَّ عَالِمٌ بِمِثْلِ هَذِهِ الْأَدِلَّةِ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ السُّقُوطِ كَمَا تَرَى ; لِأَنَّ آيَةَ: قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ لَيْسَ مَعْنَاهَا: أَنَّ كُلَّ شَهْرٍ مِنْهَا مِيقَاتٌ لِلْحَجِّ، وَلَكِنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ إِنَّمَا تُعْلَمُ بِحِسَابِ جَمِيعِ الْأَشْهُرِ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ وَقْتُ الْحَجِّ مِنْ غَيْرِهِ، وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَدِلَّةَ الَّتِي لَا يُعَوَّلُ عَلَيْهَا فِي مُقَابَلَةِ آيَةٍ مُحْكَمَةٍ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ صَرِيحَةٍ فِي تَوْقِيتِ الْحَجِّ بِأَشْهُرٍ مَعْلُومَاتٍ هِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ [2 \ 197] فَتَجَاهُلُ هَذَا النَّصِّ الْقُرْآنِيِّ، وَمُعَارَضَتُهُ بِمَا رَأَيْتَ مِنَ الْغَرَائِبِ كَمَا تَرَى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015