الْغَرَضِ مِنْهُ مِنْ فَتْحِ الْبَارِي. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ فِي قَوْلِ الْبُخَارِيِّ: (وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ) وَصَلَهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ قَالَ: أَقْبَلَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ مِنْ مَكَّةَ، حَتَّى إِذَا كَانَ بِقُدَيْدٍ - يَعْنِي بِضَمِّ الْقَافِ - جَاءَهُ خَبَرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ، فَرَجَعَ، فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ اهـ مِنْهُ، وَقَدْ ذَكَرَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ فِي جَامِعِ الْحَجِّ بِلَفْظِ: جَاءَهُ خَبَرٌ مِنَ الْمَدِينَةِ يَدُلُّ عَنِ الْفِتْنَةِ، وَبَاقِي اللَّفْظِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ حَجَرٍ.
قَالَ مُقَيِّدُهُ - عَفَا اللَّهُ عَنْهُ وَغَفَرَ لَهُ -: أَظْهَرُ الْقَوْلَيْنِ عِنْدِي دَلِيلًا: أَنَّ مَنْ أَرَادَ دُخُولَ مَكَّةَ حَرَسَهَا اللَّهُ لِغَرَضٍ غَيْرِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ، وَلَوْ أَحْرَمَ كَانَ خَيْرًا لَهُ ; لِأَنَّ أَدِلَّةَ هَذَا الْقَوْلِ أَقْوَى وَأَظْهَرُ فَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ: خَصَّ فِيهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْإِحْرَامَ بِمَنْ أَرَادَ النُّسُكَ. وَظَاهِرُهُ أَنَّ مَنْ لَمْ يُرِدْ نُسُكًا فَلَا إِحْرَامَ عَلَيْهِ. وَقَدْ رَأَيْتَ الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةَ بِدُخُولِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَكَّةَ يَوْمَ الْفَتْحِ غَيْرَ مُحْرِمٍ، وَدُخُولِ ابْنِ عُمَرَ غَيْرَ مُحْرِمٍ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ مِنْ خَصَائِصِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُوَ لَا تَنْهَضُ بِهِ حُجَّةٌ ; لِأَنَّ الْمُقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ وَعِلْمِ الْحَدِيثِ أَنَّ فِعْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَخْتَصُّ حُكْمُهُ بِهِ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُشَرِّعُ لِأُمَّتِهِ بِأَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَتَقْرِيرِهِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ.
الْفَرْعُ التَّاسِعُ: فِي حُكْمِ تَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ عَنِ الْمِيقَاتِ، وَتَقْدِيمِهِ عَلَيْهِ قَدْ قَدَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ عَنِ الْمِيقَاتِ مِمَّنْ يُرِيدُ حَجًّا، أَوْ عُمْرَةً، وَهَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَقَدْ قَدَّمْنَا دَلِيلَهُ، وَأَمَّا مَا رَوَاهُ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ نَافِعٍ: أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَهَّلَ مِنَ الْفُرْعِ. وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْفُرْعَ وَرَاءَ مِيقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ الَّذِي هُوَ ذُو الْحُلَيْفَةِ، فَهُوَ مَحْمُولٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ، عَلَى أَنَّهُ وَصَلَ الْفُرْعَ وَهُوَ لَا يُرِيدُ النُّسُكَ فَطَرَأَتْ عَلَيْهِ نِيَّةُ النُّسُكِ بِالْفُرُعِ، فَأَهَّلَ مِنْهُ، وَهَذَا مُتَعَيَّنٌ ; لِأَنَّ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا مِمَّنْ رَوَى الْمَوَاقِيتَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُخَالِفُ مَا سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَأَمَّا الْإِحْرَامُ مِنْ مَوْضِعٍ فَوْقَ الْمِيقَاتِ، فَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى جَوَازِهِ وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَيْهِ الِاتِّفَاقَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنَ الْأَمْرَيْنِ وَهُمَا الْإِحْرَامُ مِنَ الْمِيقَاتِ، أَوِ الْإِحْرَامُ مِنْ بَلَدِهِ إِنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنَ الْمِيقَاتِ؟ قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ: أَجْمَعَ مَنْ يُعْتَدُّ بِهِ مِنَ السَّلَفِ