الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ عَلَى الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ. انْتَهَى كَلَامُ ابْنِ حَجَرٍ. وَنَقَلَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ: أَنَّ هَذَا هُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ.
وَإِذَا عَلِمْتَ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ فَهَذِهِ تَفَاصِيلُ أَدِلَّتِهِمْ. أَمَّا الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ دُخُولُ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ إِلَّا لِلْمُتَرَدِّدِينَ عَلَيْهَا كَثِيرًا كَالْحَطَّابِينَ، وَذَوِي الْحَاجَاتِ الْمُتَكَرِّرَةِ كَالْمَالِكِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ، وَمَنْ وَافَقَهُمْ فَقَدِ اسْتَدَلُّوا بِأَدِلَّةٍ:
مِنْهَا قَوْلُ بَعْضِهِمْ: إِنَّ مَنْ نَذَرَ دُخُولَ مَكَّةَ لَزِمَهُ الْإِحْرَامُ. قَالُوا: وَلَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا لَمْ يَجِبْ بِنَذْرِ الدُّخُولِ كَسَائِرِ الْبُلْدَانِ.
وَمِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي سُنَنِهِ أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ الْأَصْبَهَانِيُّ، أَنْبَأَ أَبُو سَعِيدِ بْنُ الْأَعْرَابِيِّ، ثَنَا سَعْدَانُ بْنُ نَصْرٍ، ثَنَا إِسْحَاقُ الْأَزْرَقُ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا يَدْخُلُ مَكَّةَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهَا، وَلَا مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا إِلَّا بِإِحْرَامٍ، وَرَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: فَوَاللَّهِ مَا دَخَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا حَاجًّا، أَوْ مُعْتَمِرًا. انْتَهَى مِنَ الْبَيْهَقِيِّ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي التَّلْخِيصِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ إِلَّا مُحْرِمًا. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِهِ، وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ، وَرَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ مَرْفُوعًا مِنْ وَجْهَيْنِ ضَعِيفَيْنِ، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ طَلْحَةَ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: لَا يَدْخُلُ أَحَدٌ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ إِلَّا الْحَطَّابِينَ، وَالْعَمَّالِينَ، وَأَصْحَابَ مَنَافِعِهَا. وَفِيهِ طَلْحَةُ بْنُ عَمْرٍو فِيهِ ضَعْفٌ. وَرَوَى الشَّافِعِيُّ، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ: أَنَّهُ رَأَى ابْنَ عَبَّاسٍ يَرُدُّ مَنْ جَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ. اهـ مِنْهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ مُنَافٍ لِلتَّعْظِيمِ اللَّازِمِ لَهَا.
وَأَمَّا الَّذِينَ قَالُوا بِجَوَازِ دُخُولِ مَكَّةَ بِلَا إِحْرَامٍ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ نُسُكًا، فَاحْتَجُّوا بِأَدِلَّةٍ:
مِنْهَا: مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، قَالَ: بَابُ دُخُولِ الْحَرَمِ وَمَكَّةَ بِغَيْرِ إِحْرَامٍ. وَدَخَلَ ابْنُ عُمَرَ، وَإِنَّمَا أَمْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِهْلَالِ لِمَنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْحَطَّابِينَ وَغَيْرَهُمْ. ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ الْمَذْكُورَ سَابِقًا وَفِيهِ: «هُنَّ لَهُنَّ وَلِكُلِّ آتٍ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ» الْحَدِيثَ، وَمُرَادُ الْبُخَارِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ أَنَّ مَفْهُومَ قَوْلِهِ: مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ أَنَّ مَنْ لَمْ يُرِدِ الْحَجَّ، وَالْعُمْرَةَ لَا إِحْرَامَ عَلَيْهِ، وَلَوْ دَخَلَ مَكَّةَ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي الْفَتْحِ فِي الْكَلَامِ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ خَصَّ