مَوْضِعٍ مِنَ الْحَرَمِ، وَلَوْ خَارِجًا عَنْ مَكَّةَ وَهُوَ ظَاهِرُ السُّقُوطِ لِمُخَالَفَتِهِ لِلنَّصِّ الصَّرِيحِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَمَّا إِهْلَالُ الْمَكِّيِّ بِالْعُمْرَةِ، فَجَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُهِلُّ بِالْعُمْرَةِ مِنْ مَكَّةَ، بَلْ يَخْرُجُ إِلَى الْحِلِّ، وَيُحْرِمُ مِنْهُ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَأَصْحَابِهِمْ، وَحَكَى غَيْرُ وَاحِدٍ عَلَيْهِ الْإِجْمَاعَ.
قَالَ صَاحِبُ تَبْيِينِ الْحَقَائِقِ شَرْحِ كَنْزِ الدَّقَائِقِ فِي الْفِقْهِ الْحَنَفِيِّ: الْوَقْتُ لِأَهْلِ مَكَّةَ الْحَرَمُ فِي الْحَجِّ، وَالْحِلُّ فِي الْعُمْرَةِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى ذَلِكَ. انْتَهَى مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي فِي الْكَلَامِ عَلَى مِيقَاتِ الْمَكِّيِّ: وَإِنْ أَرَادَ الْعُمْرَةَ فَمِنَ الْحِلِّ، لَا نَعْلَمُ فِي هَذَا خِلَافًا. انْتَهَى مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي فَتْحِ الْبَارِي فِي الْكَلَامِ عَلَى مِيقَاتِ أَهْلِ مَكَّةَ: وَأَمَّا الْمُعْتَمِرُ فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى أَدْنَى الْحِلِّ، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي أَبْوَابِ الْعُمْرَةِ.
قَالَ الْمُحِبُّ الطَّبَرِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا جَعَلَ مَكَّةَ مِيقَاتًا لِلْعُمْرَةِ. انْتَهَى مَحَلُّ الْغَرَضِ مِنْهُ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ: إِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ لَا يَخْرُجُونَ مِنْ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ، وَظَاهِرُ صَنِيعِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ يَرَى إِحْرَامَهُمْ مِنْ مَكَّةَ بِالْعُمْرَةِ، حَيْثُ قَالَ: بَابُ مُهَلِّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمَذْكُورَ، وَمَحَلُّ الشَّاهِدِ عِنْدَهُ مِنْهُ الْمُطْلَقُ لِلتَّرْجَمَةِ هِيَ قَوْلُهُ: «حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ» فَقَوْلُهُ فِي التَّرْجَمَةِ: بَابُ مُهَلُّ أَهْلِ مَكَّةَ لِلْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، وَإِيرَادُهُ لِذَلِكَ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْ مَكَّةَ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّهُ يَرَى أَنَّ أَهْلَ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْ مَكَّةَ لِلْعُمْرَةِ وَالْحَجِّ مَعًا كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنْ كَلَامِهِ.
وَإِذَا عَلِمْتَ ذَلِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّ دَلِيلَ هَذَا الْقَوْلِ هُوَ عُمُومُ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ. الَّذِي فِيهِ حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ يُهِلُّونَ مِنْ مَكَّةَ، وَالْحَدِيثُ عَامٌّ بِلَفْظِهِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَلَا يُمْكِنُ تَخْصِيصُ الْعُمْرَةِ مِنْهُ إِلَّا بِدَلِيلٍ يَجِبُ الرُّجُوعُ إِلَيْهِ، وَأَمَّا الْقَائِلُونَ: بِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَخْرُجَ إِلَى الْحِلِّ، وَهُمْ جَمَاهِيرُ أَهْلِ الْعِلْمِ كَمَا قَدَّمْنَا، فَاسْتَدَلُّوا بِدَلِيلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ، وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَخْرُجَ بِعَائِشَةَ فِي عُمْرَتِهَا مِنْ مَكَّةَ إِلَى التَّنْعِيمِ، وَهُوَ أَدْنَى الْحِلِّ. قَالُوا: فَلَوْ كَانَ الْإِهْلَالُ مِنْ مَكَّةَ بِالْعُمْرَةِ سَائِغًا لَأَمَرَهَا بِالْإِهْلَالِ مِنْ مَكَّةَ، وَأَجَابَ الْمُخَالِفُونَ عَنْ هَذَا: بِأَنَّ عَائِشَةَ آفَاقِيَّةٌ وَالْكَلَامُ فِي أَهْلِ مَكَّةَ لَا فِي الْآفَاقِيِّينَ، وَأَجَابَ الْآخَرُونَ عَنْ هَذَا بِأَنَّ الْحَدِيثَ